والحوار وحقيقة النفس وتخليصها من الأوهام

مصباح الأنوار

لعرفة كنه النطق والكلام؛ ومكئون القول واللغة والحوار, وحقيقة النفس وتخليصها من الأوهام

د. محمد الصادق بوعلاق

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة للناشر الطبعة الأول

تطلب منشوراتنا 2 الولايات المتحدة الامريكية

ْ على الشران لي 210000

دار و مكية الهلال سدم

جادة هادي نصرالله ‏ بناية برج الضاحية ‏ ملك دار ومكتبة الهلال تلفون:1540891 961 00 فاكس:1540892 961 00 خليوي: 009613336767 ص.ب. :5003 / 15 الرمز البريحي 2010 - 1101 البسطا بيرهت لبنان

حم1.6ة1تطاءعمل )1210 :211م-ط 1211 1طاع عهل. تصحصت :مط

2-5 :لت الخخصطت يي 02

'

إلى أرواح سادتي : محي الدين بن عربي» أبو حامد الغزالي وعبد الكريم الجيلي قدس الله أرواحهم الطاهرة ...... الذين لو لم تكن أنوار آثارهم الخالدة ما كان لهذا العمل أثر 020

وإلى روح كل ولي» وكل عالم وَفِيَ أخذت عنه فكرة» أو اقتبست منه علا : أو وَظمْتَ صيغة استعملها وأ نيد ك0

ربنا تقبل منا هذا القليل واجعله خالصاً لوجهك الكريمء ونّمْه بِمَنْكءْ واحفظه لي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتاك بقلب سليم .

جاءت سليمان يوم العرض هدهدة أهدتإليه جراداً كان في فيها وأنشدت بلسان الحال قائلة إنَّالهداياعلى مقدارمهديها لوكانيهدى إلى الإنسان قيمتهة كانت هديتك الدنياومافيها")

محمد الصادق بوعللاق

)١(‏ روى القزويني أن هدهداً قال لسليمان (عليه السلام): أريد أن تكون ضيفي أنت وعسكرك يوم كذا بجزيرة كذا فحضر سليمان بجنوده» فأتى الهدهد بجرادة ميتة» نألقاها في البحرء وقال: كلواء فمن فاته اللحم أدرك المرقء فضحك منه سليمان وجنوده. (للسيد القزويني؛ في إعانة الطالبين» ج؟ - ص”50» للسيد البكري الدمياطي المتوفي سنة ٠‏ . الطبعة الأولى .١51١8‏ دار الفكرء بيروت).

إن لَذينَ يَحْتْمُونَ مأ مآ أَبْلْنَا من أل ألْكِنَب أوْلتِكَ لْعَُمْ اله وَيلْعيمُ اللدعوت إِلّا ألَدنَ تَابوا كلض و َأَوْكَبِكَ نوب عَلِهِمْ وَأنَا لَب بم )> [البقرة: 108 .]١5١‏

2

رع -

قل إنّ صَلَاتَ دمي وَكَياكَ مَسمَاق لَه رت الْعَكِينَ 7©) لا سَرِيكَ لم وَبدِكَ مرت ونأ أل تين ©4> الأنعام: 17-177]

الحمد لله بارئ النسم؛ موجد الممكنات من عدم» مبدع العقول وجاعل النطق أحسن حالاتهاء وخالق النفوس وجاعل القول زينتها وآلة كمالها. المتكلم بلا انقطاع ولا استغراق» تنزه كلامه عن أحوال المخلوقات» فما كان بجوارح ولا أدوات» ولا تلفظ ولا لهوات . . . . سبحانه جل وعلاء لا مبدل لكلماته: ولا مغير لعلمه ولا قاهر لإرادته» جلت صفاته عن الحصر والتفسيرء وتنزهت ذاته عن التكثير والتنزيه . . . . عجزت العقول عن إدراك ماهيته. وأخرست الألسن عن وصف نهاية هويته» وحجبت النفوس عن الوصول إلى بداية ذاتيته . والصلاة والسلام على من عَرّفه ربه نبوته قبل امتزاج آدم بالطين والماءء وآتاه جوامع الكلم وبّصّرّه كنه الأشياءء ووهبه ذات العلوم قبل أن تكون منها لآدم الأسماءء وحَْلْقّه بكلامه ورفعه فوق كل أرض وسماء» وعلى آله المصطفين لحفظ الذكر وحسن تأويله» وعلى كل من التزم بتطبيق تعاليمه والقيام بأوامر تنزيله .

اعلم وفْقك الله وهداك ودلّكَ عليك واجتباك أن أكثر المنتسبين إلى الأمة المحمدية ضلوا عن فهم مصطلحات لغوية» واشتبهت عنهم حقائق بعض ألفاظ أساسية تعد العمود الفقري للهويّة الحضارية» والقاعدة الصَلْبَّة للخلفية الثقافية. حيث جهلوا مثلا كنه النطق وكيفيته» ورفعة الكلام ومكانته» وسمو القول وشرفهء فما أعطوا النطق حظهء ولا الكلمة حقهاء ولا القول قدرهء ولا

الحرف هيبته. ظنوا أن النطق والكلام والقول مرادفات لمعنى واحدء ولو كان ذلك كذلك لجاز أن يقال للباري عز وجل ناطق» تعالى عن ذلك علوا كبيراء وحق أن يطلق على الجنين متكلم؛ وأن يكنى الجماد بقائل» وهذا عين الخطأ. لذلك أردت أن أغوص في بحار الحكم الإلهية؛ وأنفذ إلى أقطار الأسرار الربانية» وأستضيء بسنى الأنوار المحمدية عسى أن يوفقني الباري جل ثناؤه في كشف اللثام عن كنه النطق والكلام» ونفض الغبار عن مكنون القول واللغة والحوارء وإماطة الحجاب عن شىء من حقيقة النفس وأغوارها وقواها ومنشأها ومأتاها ومنتهاهاء وكذا تبيان علونة كز نه المسميات بالله علة الكائنات» وبالإنسان والكون والحياة» حتى تتضح المعاني وتستبين حقيقة هذه الأسامي ؛ فيكون ذلك. إن شاء اللهء مساهمة في إيقاظ نفوس الغافلين» وفتح بصائر السالكين» وتثبيت أفئدة الواصلين.

وإني قد سميت هذا المصنف " مصباح الأنوار ' وجعلته على سبعة أبواب تفاؤلا في اختراق كل حجاب؛ قصد العروج إلى جنة الاقتراب» بعد الهداية والانجذاب. ومعارف هذا المصنف رفيعة المقام» عميقة الأغوار» عالية الكعب» من قبيل ' المعارف المضنونة ' التي لا حظ فيها للعامة» ولا تبذل إلا للخاصة من أهل الأذواق» ممن كابدوا حرقة الأشواق» وعقدوا العزم على العروج إلى حضرة الأنس مهما كانت الحواجز والأشواك. فكل إناء بالذي فيه ينضح .

وإني لمُجِلُ فيهء بإذن الله تعالى» أشياء تراءت مُبْهمات ولمُفئّد أخرى بدت من المسلمات» بمقدار الاستعداد» مع قلة الباع وقصور الإطلاع» ولزوم الخوف من أن يكون قلمي هذا في خدمة إبليس اللعين وجنوده والنفس الخبيثة وأعوانهاء نعوذ بالله السميع العليم من ذلك» فيكون حجة علي يوم العرض الأكبر؛ ولكن حسبي أن أصل ما طرح وفحوى ما عرض حقء وإن كان مدبج بقلم أمثالي ولست بعيدا عن الغواية ولا محفوظا تماما من مرديات الهوى .

ما كان لي أن أصل بهذا المصنف إلى ما وصل إليه لو لم أستمد من الأرواح الطاهرة المطهرة؛ وأستلهم من الآثار الصادقة النقية» وأخصٌ ذاكرا لا حاصرا آثار كل من الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي» قدس سرهء والشيخ أبو حامد الغزالي وكذلك الشيخ عبد الكريم الجيلي رضوان الله تعالى عليهم. وغيرهم من بواقر العلوم وبحار المعارف وشموس المآثئر. فمثلي كمثل من صعد فوق ربوة وتطلعء فرأى قطرات من ماء محيط واسع شاسع»ء ثانت الحقائق» راسخ الرقائق» عميق المعارف . تلك الربوة هي آثار العالمين العارفين العاملين» وتلك القطرات قيض من فيض علومهم اليقينية» ومعارفهم الشهودية» وماثرهم الصمدانية . . . . والله من وراء القصدء وهو الهادي سواء السبيل.

العقل الأول

اعلم وفقني الله وإياك ودلّك عليك وهداكء أن الله كان ولا شيء معهء وهو الآن على ما عليه كان» واحد لنفسه من حيث نفسهء عالم بالعالم من علمه بنفسهء مظهر في الكون ما هو عليه فى نفسه» منفرد بكبريائه وعظمته» متوحد عالت وصعد يه ونم عبام ع وجل توصيق سماد السحد الك لأ يلها الإحصاء ولا يتناهى لها العدد, أن يرى عينه وعين أسماءه في كون جامع» وأحب أن يعرف نفسه شهودا بالظاهر ؛ انفعل عن تلك الإرادة المقدسة وعن ذلك الحب اللائق به تعالى تعظيما وتنزيهاء إبداع جوهر روحاني فرد بسيط ليس بمادة ولا في مادة؛ غاية في الصفاء وقمة في النقاء وبحرا للكمال والجمال. ثم انه سبحانه وتعالى تجلى إلى ذلك الجوهر المبدع البسيط بنوره الساطع دون حجاب ولا وسيط. جاعلا إياه مرآة لذاته ومجلى لقدسه ومنتهى لأسمائه ومحلا لصفاته ومجمعا لحقائقه ومنزلا لأسراره. يقبل الجوهر من مبدعه جميع المنن والهبات وكل العطايا والواردات كما تتقبل زوايا البيت نور السراج» فتصورت في ماهية جوهريته إلهية بارئه» وعقل ربوبية مبدعهء وعرف عبودية ذاته» وأدرك مقامات منبعثاته» وأطلع على مكنونات القضاء ومطويات القدر فصار بذلك عقلا أولا.

والعقل الأول ذو مقام برزخي جامع للفقر والغنى» للذل والعزة. للعبودية والسيادة ... . لا يزال مترددا بين الإقبال والإدبار. يُقُبل على بارئه مستفيدا ويُذبر عنه مفيدا. يتجلى له الباري» عند الإقبال عليه في مجلى التعليم الوهبي» فتنتقش فيه كل العلوم الإلهية مجملها ومفصلها؛ ثم يدبر عنه ممدا كل

الموجودات حسب استعدادها

فالعقل الأول أصل الوجود وعينه» وأكمل ما فيه وأعلاه حمّا وتحقيقاء وهو بداية المبدعات» ممد المنفعلاات» مزود المولدات» ومرجع أشرف الموجودات .... مهبط أنوار الجبروت» ومحل أسرار الملكوت . . . . مجمع حقائق اللاهوت». ومنبع رقائق الناسوت . . . . مدار رحى الموجودات وقطب فلك المخلوقات .

لما كان العقل الأول قد انبجس مباشرة من الذات العلية» وذات الباري جل وعلا شاملة لعين الكمال وجامعة لصفات الجلال والجمال؛ صارت لحضرته (العقل الأول) امتدادا جبروتيا ومددا رحموتيا وفيضا ملكوتياء انبعثت الحقائق من حقيقته وزودت الخلائق من روحانيته . . . . لما كان ذلك حار في ا ل ا ل ا ا 1 فلاسفة وعرفانيين . . . . متصوفة ومتكلمين . . اختلفوا في التسميات لكن ا فقوا على أن أحدية الحق تعالى تنزلت إلى الواحدية لأجل حقيقة كاملة الصفات حتى تتحقق الكثرة المطلوبة من قبل العلم الإلهي وفقا للإرادة الإلهية. إلا أنهم اختلفوا في تسمية هذه الحقيقة؛ فمنهم من قال هي العقل الأول» ومنهم من قال القلم الأعلى .... النور المحمدي . الحقيقة المحمدية . . . . الروح الأمين . . . . وأشاروا أليها بأوصاف كثيرة أهمها الإنسان الكامل . . . . برزخ البرازخ . . . . التعيين الأول .... وما إلى ذلك من المسميات المختلفة الدالة على عين المسمى.

وهذه الحقيقة من حيث وسعهاء وتعدد وظائفهاء وبرزخية مقامهاء والعجز عن إحصاء منفعلاتهاء وعدم تناهي مؤثراتها . . . كل ذلك وأكثر من ذلك. فهي 'القلم الأعلى' من حيث التدوين والتسطيرء ونسبتها إلى الحق تعالى. وهي "العقل الأول" من حيث الإبداع و المعرفة وتفرع كل العقول الجزئية للموجودات عنهاء ونسبتها إلى العبد. وهي "النور المحمدي' من

١

حيث الجعل. وهي 'الروح الأمين' من حيث التصرف وتفرع كل الأرواح الجزئية للموجودات عنهاء وإضافتها إلى الإنسان الكامل القائم لله بحجة» الذي لا تخلو الأرض منه في أي زمان» حافظ نظام الكون ووجوده» وحامي حجج الله وبيناته من البطلان. وهي "الحقيقة المحمدية' لإنفرادها عن كل عين بمجموع من الحقائق و المعارف لم يطلع عليها سواها ولم يقف على أثرها ولا عينها سوى طلعة نداها.

قال الرسول الأكرم؛ صلى الله عليه وآله وسلم : "أول ما خلق الله العقل ' . كما أثر عنه أيضا : 'أول ما خلق الله القلم" . والعقل الأول هو القلم الأعلى وجهان للنور المحمدي. جاء فى حديث الصحابي جابر بن عبد الله رضي الله عنه قوله : ' قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء؟ قال يا جابر إن الله تعالى قد خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره"”''؛ كما قال عليه وآله الصلاة والسلام : ' أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر" .

والنور المحمدي أبدعه الباري عز وجل من نوره وخلق منه الوجود وجعله محل نظره في الكون. هو السراج الأول المنير الذي استضاء بنوره كل الوجودء وإتسع نوره ليشمل كل موجود وليتقبل منه كل حسب قوته وقربه

واستعداده .

سمي العقل الأول أيضا بالروح الأمين لأنه الخازن الحفيظ العليم الأمين على العلوم الربانية واللطائف الإنسانية. وهو ملك كريم نظر الله إليه بما نظر إلى نفسه ) فجعله أشرف الموجودات وبوأه أعلى المكانات وأغلى المقامات وأرفع الدرجات وأسمى المنزلات» ليس فوقه ملك؛ له مع كل شيء خلقه الباري عز

)١(‏ إسماعيل العجلونى» ا؛كشف الخفاء ص . ه66 -1 اا بيروت . راجع كذلك - الزرقاوي "شرح المواهب " ٠‏ ج. 0١‏ ص . - 47 القاهرة ؛ وللحديث روايات أخرى متشابهة .

وجل وجه خاص به يلحقه؛ من نوره خلقت جميع الملائكة المقربين ومن فوقهم

من العالين ومن دونهم من العنصريين» وكل مافي الوجود. ولهذا الملك في كل المقامات والعوالم والحضرات هيمنة إلهية وسلطنة ربانية خلقها الله فيه وقد ظهر بكماله في الحقيقة المحمدية. لهذا فاق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كل ملك مقرب ونبي مرسلء وبه امتن الباري عز وجل فقال: «رَكدَيِكَ وْسينَآ إِلنّكَ روما يَنْ ريا ما كت عَدَرى ما الْككَبْ ولا لا الايمنٌ ولكن جَمَلْنَهُ نورًا تَجْرِى بهو

3 نَكََ كع

من قَتَآهُ مِنْ عِبَاوئا وَإِنكَ لبر إل صر تقبو © ريل له الى لم ما في َلتَمَوَتٍ وَمَا فى الْأَرْض آلآ إِلَ أنه تَصِرُ الور © أي والله أعلم وكذلك

جعلنا وتات يا بهن وهها خاضا من وجو هذا املك الذئ :قر امرناء لأن هذا الملك أسمه أمر الله وهو المشار إليه في قوله تعالى #مُلٍ لرُوحٌ مِنْ أَمْرٍ رق وما آ أُوتيسّر من لهل إِلَّا ه94" أي وجه من وجوهه . وهذا الاسم سمي به سيدنا جبرائيل عليه السلام من تسمية الفرع باسم الأصل ”" .

أما عن تعدد الأسماء على العقل الأول فإنها لاتعني تعدده في ذاتهء بل تشير إلى تعدد وظائفه البرزخية وتوسطه بين الحق والخلق . وعلاقته بما ينيعث عنه ليست علاقة إنفصال أو تدرج زمني؛ بل هي ضرب تجليات لهذا العقل الأول في مراتب وجودية ودرجات معرفية مختلفة؛ متميزة» ممثلة لحقائق متعددة لحقيقته ومظهرة لجوانب أخرى باطنة فيه .

اللهم بنور الأنوار الذي هو عينك لاغيرك» صل وسلم وبارك على من سطع نوره منذّ القدم. وسبقى وجوده العدم. وفاقت همته الهمم. وكانت أمته خير الأمم؛ وعلى آله بحر العلوم ومعدن الحكم. حبيبك وصفيك ونجيك الذي

07-67 الشورى:‎ )١(

زف6 الإسراء : (*) راجع: "الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل'". للشيخ عبد الكريم الجيلي رحمه اللهء جكت0 دار الفكر.

5

أسكرت أوليته العارفين» وألهب حبه وجد العاشقين؟ فأنشد الشيخ أبو العزائم رحمة الله عليه ”2 وقد طفح كأس وجده واشتعلت نار شوقه ولاحت أسرار صدره :

كان نورافي البدء من هأضاءت كل شمس من حضرة واحدية نوره البدء أصل كل جمال من لدىالبدء لاح للآخرية فبضة شعشعت ضيا كل فرد ‏ مظهرالحق ظاهرللبرية

النطق

إذا تبين لك أن العقل الأول أشرف المبدعات». وقطب فلك الموجودات» وأثر كلمة من كلام الباري عز وجل» فاعلم أن النطق أثر من العقل الأول وأشرف أحواله. وليس المراد بالنطق استعمال اللسان لإحداث أصواتء والتلفظ بعبارات» والتفوه بمصطلحات وفق لهجات ولغات؛ بل هو كما عرفه صاحب المعارف العقلية”' ' تمكن النفس الإنسانية من العبارة عن الصورة المجردة المتقررة في علمه, المنفردة في عقله؛ المتبرئة عن الأشكال, المعراة عن الأجسام والمثال ' . فماهيته إذن مغايرة لماهية الكلام» وإن اشتبه الأمر وتداخلت المفاهيم؛ ومعناه مطلق التفكير الذي هو قاعدة الكلام وأساس القول» حيث بدونه (النطى) لا يكون كلاما ولا قولا. والنطق صفة النفس الإنسانية» بل نهاية شرفها وأجل أوصافها. والنفس لا تكون ناطقة إلا إذا قدرت على تصور حقائق الأشياء بدواتها المجردة وبأعيانها المنفردة» وانطبعت بيسر في مرآة القلب» وتمكن الذهن من التفكر فيهاء وقدر العقل على الإحاطة بظاهرها وباطنها ثم أحسنت التعبير عنها بمقال يتماشى وخاصية المقام» وبتصرف يليق بطبيعة الموقف . أما غاية النطق فهو

. راجع “السر الأعظم ' لمصطفى محمود. دار العودة » بير وت‎ )١( (؟) راجع ' المعارف العقلية ' لأبي حامد الغزالي» تحقيق وتقديم وتعليق د. علي إدريس» التعاضدية‎ . العمالية للطباعة والنشر. صفافس » تونس‎

إدراك أنه لا توجد فى النهاية سوى حقيقة مطلقة واحدة . . . . إدراك أن لا إله إلا الله . . . . إدراك إطلاقية الباري جل ثناءه ونسبية الأغيار . . . . حقيقة دان لها الوجود وإستيقنتها فطرة حقيقة كل موجود.

حقيقة أقر بها كل إنسان قبل قدومه إلى الحياة الدنياء حيث وقف الآباء والأبناء . . . . الأجداد والأحفاد . . . . المتقدمون والمتأخرون . . . . وقفوا من قبل في مجمع واحد بين يدي الواحد عز وجل . . . . هناك في العندية الإلهية . . . . جمعهم الحق سبحانه وتعالى؛ وأسمعهم خطابهء وأشهدهم على أنفسهم بمحضر الملإ الأعلى» فشهدوايقينا بالإقرار بربوبيته عليهم» وبعبوديتهم له. يقول الحق سبحانه وتعالى : طوَإِ أَحَدَ ويك من ب ادم من ظُهُوره دُريتَهُم وَأَشْبدَهْ عل أَنشْهم نت يريك قالا بل مهد أن تَقُولُوا بم الْبَمَةٍ نا حكن عن ها نين (©) أذ لوو إذآ أ 'بَآو من مَل وحكًُا دري يا َم ا يا صَلَ المنيئرة 74"

كان للإنسان حضرة نورانية» وكيئونة روحانية» وجمعية ربانية متقدمة عن تسويته في الأرحام؛ في حضرة انتفى فيها حكم المكان» وسقط فيها حكم الزمان . . . . في اللامكان واللازمان .... في حضرة الإطلاق حيث العلم المجمل» والإيمان الكامل» واليقين التام والتجليات الربانية. كانت النفس تنعم بجمعية ربانية» وتجليات أسمائية» ومشاهدة إشراقات العين بالعين. في تلك الحضرة كان مشهد الميئاق» جمع الباري عز وجل كل الخلائق فكان الاجتماع؛ أسمعهم خطابه فكان الاستماع» وأخذ عليهم العهود والموائيق فكان الاعتراف له تعالى بالربوبية» والإقرار بوحدانيته توحيدا يقينيا. ثم كان الهبوط تفصيلا من حضرة الجمع إلى حضرة الفرق . . . . من أنوار اليقين إلى ظلمات الريبة . من سعة الإطلاق إلى ضيق القيدء في هيكل اللحم والطين وظلمة الرحم والماء المهين ؛ فالنزول إلى الدنيا دار الابتلاء ومحل التكليف . بنزوله إلى الدنيا تضرب

. ا١ا/ا#‎ - ١97 الأعراف:‎ )١(

فل

على الإنسان الحجب ... . الجهل حجاب . . . . الغفلة حجاب . النسيان حجاب . . . . الرغبة حجاب . . . . النزوة حجاب . . . . الكبر حجاب ...سلإلحاد حجاب .... كي لا يعلم من بعد علم شيئا. فتستلمه الحواس» وتأخذه الرغبة» وتصارعه الشهوة» وتسجنه الدنياء ويوقعه الشيطان في شركه. والهوى في حباله» وتتراكم عليه الحجب . . . . ظلمات فوقها ظلمات. هنا يكمن سر من أسرار الوجود البشري في هذه الحياة الدنيا : الصراع من أجل تزكية النفس» والتسابق من أجل العروج بها إلى أعلى درجات المكرمين. والتدافع من أجل استرداد النطق التام» واسترجاع العلم المجمل» والأوبة إلى التوحيد اليقيني .

كلما خطى الإنسان خطوة نحو الله عز وجل؛ كلما سعى إلى إزالة حجاب, كلما سمى بنطقه درجة. . . . كلما تعلم علما مفصلاء كلما تذكر شيئا مما كان عنده مجملا؛ ذلك أن طلب العلم لا يعدو أن يكون سوى عملية تذكر لما كانت النفس تعلمه من علم إجمالي؛ وتدركه من إدراك يقيني» وتعيه من وعي فطري في طورها النوراني قبل أن تنسدل عليها الحجب حين قدومها إلى المحطة الدنيا من محطات الكينونة الوجودية .

إذا كان النطق أثر من العقل الأول» ومنتهى غايته إدراك وحدانية الباري عز وجلء وإذا كان العلم محور نشاط العقول الجزئية في هذه الحياة الملكية وأداة للتعرف على روابط الأشياء ومختلف علاقاتها؛ فإن الطريق الصحيح الذي يجب أن توصل إليه جميع العلوم عقلية كانت أو نقلية» نظرية أو تجريبية . . . . هو التوحيد. إذا اكتسبت العلوم بتناسق مع السئن الربانية وتناغم مع الفطرة البشرية ووظفت بتجانس مع مقتضيات الحكمة الإلهية» فإنها لن تقود إلا إلى التوحيد. أما إذا أكتسب بمعزل عن الديان» وبغفلة عن مكون الأكوان» وبتعارض مع طبيعة الإنسان؛ فإن نتائجها ستكون عكسية ولن تقود إلا إلى الإلحاد والتملق. ألا فلتعلم أن العلم أداة ووسيلة من أحسن استعمالها استهدى وهدى؛. وصل واتصل».

18

واركة تقى إلى أعلى درجات العلى ؛ ومن أساء استعمالها 5 ضل وأضل» وانقطع و انفصلء وهوى إلى أسفل دركات الشقاء؛ يقول الباري جل وعلا في شأنه : وَقَدِمْنَآ إل ما عَمِلُوا مِنْ عَمَل ل فَجَمَلتَهُ بسآه تَنُورًا )54 .

ثمة جانب آخر يتعلق بالنطق ويخص الثقلين؛ جانب يتماشى وطبيعتهم الملكوتية ويميزهم عن سائر المخلوقات الأخرى؛ هذا الجانب يتمثل في الإرادة. الإرادة التي تتمظهر في حرية الاختيار» أو القدرة على الاختيار بحرية بين سبيلين : حى وباطل . ... مطلق ونسبي ... . حقيقي ووهمي .... لو لم يكن النطق لما كان للإنسان حرية» وبدون حرية الإرادة والاختيار لا تكون للمسؤولية مغزى» وبدون مسؤولية يسقط التكليف ولا يصير لاويمان معنى, وبدون إيمان ينهار صرح الدين وتخبو روح العقيدة.

فالنطق هو كذلك المظهر الصريح لما ينطوي عليه وجود الإنسان الباطني . والنطق أيضا أساس الإيمان» بل معراج الإيمان إلى أسمى درجاته» ومخرجه إلى أوسع معانيه؛ حيث أنه (النطق) متعلق بإدراك وحدانية الباري عز وجلء أي معرفة الحقيقة المطلقة الكبرى واستيعاب طبيعتها. وما الإيمان؛ من هذا المنظار» إلا حسن التمييز بين المطلق والنسبي» والقدرة على التفريق بين درجات من الحقيقة ومراتب من الوجود الكلي .

فبالجانب الإرادي للنطق تميز الإنسان عن سائر الموجودات» وكانت كرامة الله للنفس الناطقة وتفضيلها على سائر المخلوقات» تكريما للإرادة التي جبلت فيهاء كما قال تعالى : #وَلْمَدَ كَرَمَنَا بق ادم مَحَلته في لير وَالحْرٍ رُم يت لطبت وَضَشَهُرْ عل حكثر مَتَنْ حاضيا 748.

وهذه الكرامة للمؤمنين من عباد الله خاصة لأن من أجلى علامات النطق

" : الفرقان‎ )١( 5” الإسراء‎ (0,

الإيمان الذي يربط الإنسان بالديان. فبدون الإيمان بمعناه الكامل يفك رباط الأرض بالسماءء وتنهار علاقة الإنسان بالله تعالى.

اعلم أن الباري جل ثناؤه هو وحده المريد إطلاقاء وهو سبحانه الحر حرية مطلقة . . . . سبحانه وتعالى علمه محيط. إرادته بالغة» مشيئته نافذة. حكمه ماضء أمره غالب . . . . هو الظاهر فوق عباده الكبير المتعالي» القيوم على خلقه. المهيمن القهار. إلا أن للإنسان كذلك نصيب من تلك الحرية» وحيّز من تلك الإرادة . . . . له استقلالية في إرادته؛ خصوصية في مشيئته؛

مسؤولية على أموره. وحرية في إدارة شؤولهء

لكن. هل يعني هذا أننا أمام إرادتين . . . . إرادة للخلق وإرادة للحق؟ ألا يتعارض هذا ومبد! التوحيد الذي هو ماهية النطق؟

ظاهر الأمر أننا أمام إرادتين مختلفتين» ومشيئتين متنافرتين؛ لكن الحقيقة أن

الإرادتين تعملان في تطابق خفي». والمشيئتين تسيران وفق تكامل باطني» وكأنهما إرادة واحدة» ومشيئة واحدة»؛ إشارة أن لهذه المسألة ظاهر وباطن» ولهذه القضية جذور عميقة» وأسرار سحيقة» وجوانب خفية» أرجئ التطرق إليها إلى الفقرة القادمة إن شاء الله .

الإنسان هو الكائن الوحيد الذي أودع فيه الباري عز وجل أسرار الجبروت» وجواهر الملكوت.». وحقائق اللاهوت». ورقائق الناسوت : علمه الأسماء . . . . ذلل له ما فى الأرض والسماء . . . . سخر له المخلوقات العجماء . . . . يسّر له كل الأشياء . . . . أعطاه من الحرية والإرادة ليختار بها ما يرتضي من الإعتقادات . . . . وهبه من همّة ومشيئة ليبلغ بها ما يقدر عليه من

دك"

المطلقة. هنا تكمن عظمة المقام الإنساني» فكل ما في الوجود له مقام معلوم ومرتبة محددة. إلا الإنسان فإن مقامه برزخى يشرف من جهة على الملكوت العلوي. برفعته وشرفه وعلو مكانته» ومن جهة أخرى على العالم السفلي» بحقارته وسفالته ودناءة مكانته .

والإنسان وحده يتفرّد بقدرته على تخطى بقاءه الإنسانى» ويستطيع إما أن يرقى إلى ما فوق الملكوت العلويء أو أن يهوي إلى درك العالم السفلي. فإذا عرف كيف يستثمر علومه ومعارفه. وأين يوجه همّته وإرادته» وفيما يستنفد إمكاناته وطاقته. تحرر من أسر الناسوت واللاهوت» ومن سلطان الملكوت والجبروت» وأدرك أقدس الحضراتء وارتفع إلى أعلى الدذرجات؛» ليصل إلى أشرف النفري رحمه الله" * أنت مني . . . . أنت تليني . . . . وكل شيء في الوجود .... أقوى من الجنة والنار . . . . أقوى من الحروف والأسماء .... أقوى من كل ما بدى في الدنيا والآخرة '. وأما إذا أسلم ذاته لنفسهء واستسلم الخسران؛ فيناديه ربه : أنت أحقر من الحيوان . . . . أنت ألعن من الشيطان

2:5 0 5 3 عر ورويم

.... أنت ذيل الوجودء مرتبتك دون مرتبة كل موجود .... خذوه فعلوه (2) لحم سَلْوهُ (2) ند في سِلِلوَ دََعْهَا سَبَمُود ورا تأسلكرة © 74" .

أعود فأقول : 0 ا 206 2 للك اكت لكك م

)١(‏ راجع “رآييت الله " لمصطفى محمود» دار العودة. بيروت (؟) الحاقة : "٠‏ 2”” .2

"5

كهسها تاوق الاتستتان: شرفي ةالتحياة وا عصيوان عليهمايكونالتكلان للعروجنحوالديان دونهمالانتصرللتئقلانف علىالتّفس ولاعلى الشيطان يجاهكة :.: ويافية :2 اعفان #حاتك عحشتدنتقتة الأيحيتان بحث.. نظر.. إمعان ذاك طريقالعلم والعرفان الجامع بينهمابائزانت فائزيومالجزعبالأمان

يُعَدُ النطق منتهى شرف النفس الإنسانية؛» ومنهج السعادة الدنيوية الحقيقية؛ ومجلب السعادة الأخروية الأزلية. والنفس لا تكون ناطقة إلا إذا حلقت في سماء الحقيقة بجناحين» وسبحت في بحار الأنوار بقاربين» وأخذت بأسباب السّعادة بطرفين: طرفي التمقل والأبنمان ... العقل الرصين والإيمان المتبصر. وذلك لا يكون إلا بسلوك سبيلين متكاملين : المجاهدة الروحية والرياضة القلبية والتصفية الأخلاقية من جهة؛ والبحوث الحسية والدراسات العلمية والتأملات العقلية من جهة أخرى. لا غنى للسالك إلى الله تعالى عن الوارد والذوق» والوجد والكشف والإلهام . . . . ولاعن البحث والنظرء والعقل والإستدلال والبرهان . . . . المازج بينهما بإتزان يكون كمن قال في شأنه أبو حامد الغزالي رحمه الله : " من أخذ بنور العقل ونور الإيمان كان كالذي أضاف إلى نوره نورا فصار نور على نور" .

من المستحسن أن يمزج السالك إلى الله تعالى بين السبيلين» فلا تكون مجاهدته الروحية خالية من البحث والنظرء ولا نظره بعيدا عن المجاهدة والرياضة. من وهبه الباري عز وجل شرف الجمع بين الطرفين بإتزان» ويسر له التبحر في السبيلين بإتقان. كان من الهادين المهديين» الفائزين بسعادتي الدنيا والآخرة.

ألا فلتعلم أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة يجسد قمة ذلك الإتقان

وف

ومنتهى ذاك الإتزانء يكون فريد عصره وزمانه» أعلم أهل زمانه بكل علم وأفضلهم بكل فضيلة؛ كما أشار إلى ذلك الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف : ' لا تخلو الأرض من قائم بحجة؛ إما ظاهر مشهور أو خائف مستورء. لئلا تبطل حجج الله وبيناته " ”'. الإرادة

وإذ تطرقت معك لطرف من حقيقة النطق وماهيته وغايته» فأريد أن أذكر أيضا شيئا من حقيقة الإرادة المتعلقة بالنطق والتى كانت سببا في تكريم النفس الإنسانية وتمييزها وتميّزها عن سائر المخلوقات وبقية الموجودات.

إعلم وفقني الله وإياك, أن الإرادة على ضربين: أحدهما تطلق في حق الباري جل ثناؤهء والثانية فى حق الآدميين.

أما الإرادة الإلهية فوصف من أوصاف الألوهية؛ وحكم من أحكام العظمة الربانية»؛ وصفة تجلي علم الباري على المقتضى الذاتي . إرادته تعالى ترجمان التوجه الإلهي بإحداث الشيءء كالإيجاد مثلا وغيره. متعلقها العدم. لأن المراد لابد وأن يكون معدوما لا عين له في الوجود ولا أثرء والممكن عدم وإن اتصفت كينونته بالوجود؛ كما قال سبحانه : #إِنّما قَولنَا لتَىء إذَا أردته أن عه جو رم و 5 2 سه تور مس ساسا #2 سار 4 0 ول له كن مَبَكْوَنَ 0*9" وكذلك: «إِنَّمآ أَمْرهُء إذّآ راد سَيعًا أن يَقُولٌ لَمُ كن فيكو © .

والوجود جود من الجواد جل وعلا كله خير محض» ولا شر إلا في العدم . وإرادته تعالى لا تكون غايتها متجهة إلا باتجاه الخير» ولا تكون حقيقة أمرها حاملة إلا للخير؛ يقول عز وجل :8 بُرِيدُ أََّهُ يكم الْشسْر ولا برِبِدُ

. 7 بيحار الأنوار للمجلسي » ج2672 ص‎ )١( . 40 : النحل‎ )0(

(9) يس : .2

"3

بكم الْممر»”''. . . . < وما أَلَهُ بريد ظُلمَا ع4" ..... ما يُرِبدٌ اله

تكون الإرادة الإلهية مسبوقة بالعلم» متبوعة بالقدرة؛ علما وأن صفاته تعالى لا تقبل التعدد ولا الانفصال عن بعضها إلا في مراتب العبارات ومدارج الإشارات. فالقدرة لا تتعلق بإيجاد اله.مكن إلا بعد تخصيص الإرادة» كما أن الإرادة لا تتوجه إلى إيجاد الممكن إلا بعد تخصيص العلم. وحكم إرادته تعالى متقدم على كثير من الأوصاف الإلهية والنسب الربانية؛ فهي (الإرادة) من المنظار الوجودي الإيجادي. المرجح والمخصص لجانب الوجود على جانب العدم. بفضلها ينتقل الممكن من ترجيح بقاءه في شيئية ثبوته إلى ترجيح ظهوره في شيئية وجوده. يقول الشيخ الجيلي رحمة الله تعالى عليه ”*2 :

فلذلك المعنى تقدم حكمها عبن اشائر الأوصضاق:والقشثيات

أما الإرادة التي في حقٌّ الإنسان» فلها من الوجوه وجهان: وجه ظاهر وآخر باطن. ظاهرها أنها إرادة قائمة لذاتها بذاتهاء منفردة فى مظاهرها ومستقلة في تطلعاتها. باطنها وحقيقتها أنها عين إرادة الحق سبحانه وتعالى . . . . هي مئة إلهيّة وهبة رحموتيّة تكرّم بها الكريم على النفس الإنسانية . . . . وهي عطاء رباني وجود رحماني من الباري للإنسان. بغية اختباره في مسائل اختياره وتكليفه في محل تشريفه؛ بعد توفير له الأسباب وتذليل له الصعاب» وإمداده بحرية الاختيار» وإلهامه طرق التعامل مع جميع الآليات لإدراك كل ما بدى له من الغايات . )١(‏ البقرة : ١88‏ . (') آل عمران : ٠١8‏ (9) المائدة : " . (4) "الإنسان الكامل في معرفة الأواخر و الأوائل". ج ١ء‏ ص »4١‏ دار الفكر

"6

لكن قد تستوقفنى لتقول إذا كان ذلك كذلك فإن فى الأمر كثير من المبهمات يد عا عد االع اشن الجن ات ١‏

إذا سلَّمْتٌ بظاهر الإرادة» أليس فى القرآن تناقض؟ أين ذلك من قوله تعالى: «رنا تتاو إل أن يَنَهَ أمَّهُ رَثُ الْعلَدِيت د وإذا سلَّمْتٌ بباطن الإرادة» أليس في القرآن تناقض كذلك؟ ترد: َه رَنَا وَرَيِكمْ آنآ امنا وَلَكم َعْمَنُكُمٌ 2"”4. وإذا سلَّمْتٌ بحقيقة الإرادة وبخفايا المنن والعطاياء فأين خصوصية الإنسان وأصل إرادته مسلوبة؟ . . . . لماذا مساءلة التتقلان وحقيقة حريتها معدومة؟ . . . . كيف يكون الاختبار حين يسلب الاختيار؟

أعود فأقول» إعلم أيدك الله بروح منهء أن لمالك الملك عر وجل تصريف حكيم وتدبير رشيد في مملكته» فقد جعل تعالى عالم المحسوسات يسير وفق نظام محكم وتقسيم مبدع» وسنن إلهيّة ونواميس ربانية لا تتبدل ولا تتحول» فقال: لهل طروت إلا سنك الأو ل جد شل لله بلا ول يد

04 مه

لست َه توبلا 7" . كما جعل سبحانه جميع الظواهر الطبيعية على كثرتهاء وكل القوى المادية على تعدّدهاء جنود مُيسَرّة ومُسَخُرَّة تعمل تحت إمرة الكلمة الإلهية والمشيئة الربانية لنفاذ تلك السّئن ولسريان تلك النوّاميس» فتبدو وكأن إرادته تعالى مخفية وقدرته مطوية. فجميع ما في الوجود طع أمره تعالى» مُنقّاد إلى مشيئته» وراضخ إلى كلمته؛ وهذا الحال مع المخلوقات المُلكية» والظواهر الطبيعيّة» والقوى الماديّة» والملائكة العُلوية .... لاثم ستو إِلَ اَمَك وى محا قال ا وَلآرّضِ نينا طَوْمًا أو كرما مال نا طبن 8م404 .

أما مع الثقلين فالأمر مختلف. لأن المسألة متعلقة بنفوس مُخيرّة بإمكانها

”9 : التكوير‎ )١( ١6 : الشورى‎ )( 47” : فاطر‎ )9( ١١ : فصلت‎ ):(

بف

المعصية والطاعة عن اختيار» وبوسعها مخالفة الأمر الإلهى. لهذا جعلها الباري عر جاهه مَحل مؤاخذة ومحاسبة» فكان التشريف والتكليف. العمل والجزاء؛ الرئاسة والمسؤولية» الثواب والعقاب . . . . الإنسان مأمور بالعمل» خرّ في تدارا مر ون كل تمر ياتنه مرفي الى سر قار ووميكا بن علي كانه .... طوَثْلٍ أعَمَلوأ ضَيك أَمَدُ علي وَرَسُولمٌ وَالْْؤْمِبونَ وَسَدُردُونَ إل عر ألْيٍَ وَلتَّجدَوَ قِيَفْدٌ يما كم نم تعمَلُونَ (09) 74" .

خلق الله الإنسان على صورته» نفخ فيه من روحه» أحسن تقويمه: استخلفه في أرضه ... . وهيه التخلّق بالأسماءء ذلل له ما في الأرض والسماء؛ طوّع له ما في قعر البحار وما في الهواء .... وجعله ذو نسبتين متكاملتين: واحدة يلج يها إلى الحضرة الإلهية» وأخرى يدخل بها إلى الحضرة الكيانية .”''.. . فهو في الأولى عبد وفي الثانية رب .... عبد من حيث حقيقته وتكليفه وعجزه وافتقاره ... . ورب من حيث صورته واستخلافه وتقويمه وسيادته . . . . إِنّْه برزخ بين الكون والمُكُوّنِء جامع للحق والخلق» حدٌ بين أحسن تقويم وأسفل السافلين» وفاصل بين الألوهية والكونيّة. فأعمال الرب أعمال للرب» وأعمال العباد أعمال للعباد» وعمل الرب غير مناف لأعمال العبد؛ وعمل العبد غير مناف لمسؤولية العبد» ومسؤولية العبد غير مُلغية لمحاسبة العبد.

والإنسان نصّبه مالك الملك خليفة في مملكته الأرضية» وكلفه بإعمارها طوال حياته الدنيوية؛ علّمه الأسماء لحسن استخدام السنن الإلهية» طوّع له الأشياء لتوظيف النواميس الربانية» أعطاه من الحرية ما يختار به سلوك الصراط المستقيم أو الانحراف عن طريق العبودية. لكنه في جميع الأحوال مسؤول في نطاق تكليفه وعلى كل اختياراته محاسب إما مُجَارَّى أو مُعَاقَب. ما كان الله

)١(‏ التوبة : ه (١؟)‏ راجع 'إنشاء الدوائر"؛ ص 5١‏ - 55., للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي» قدس سره

وف

ظلاما للعبيد. تعالى عن ذلك علوا كبيراء ليكره العبد على ما لا يريدء بل يريد تعالى لعبده عين ما يريده العبد لنفسه. ويختار له من جنس ما يختاره قلب العبد» ويِيْسِرُ له نفاذ عين ما يُضْمِر العبد في زيّته . . . . من أراد الهداية يَسْر الله له طريق الهدى وكان سَّعْيّه مشكوراء ومن استحب الضّلالة وجّهّه الله إلى ما أراد وكان عمله مَذّمُوما . .. . من أضمر في نفسه حب الدنيا آتاه الله منها ل ل ل و ال 1 ...٠‏ يقول سبحانه اث تدأ رَادَهْرَ هُدَى 6" . . . وأا مود فَهَدَيتهُمْ كَأسْتَحَبُوا ألمى عَلَ المدئ كَأسْدَتهُمَ م صَعِفَةٌ لْمَدّاب أَلْون يما كانوأ 0 ل ويك رك البو وذ فى حا و 26 في مز يا نه نويه ينها 74" . .

والله جل ثناؤه يقضي على عباده بما يطابق نواياهم وبما تُضمر حقائقهم . فالعبد ينوي ويُضمرء ولع ته حر ا إذا أراد العبد أن يَضْرَ قال له الله تعالى خذ اليد والرجل وبقية الحواس نَمُذ بها ما أضمرتء لكن عليك إثم أو لك ثواب ما أضمرت .

الأرجل والأيادي والعيون وبقية الحواس البشرية والأعضاء البدنية جنود إلهية؛ أعارها الباري سبحانه وتعالى النفس الإنسانية ووضعها مؤقتا تحت إمرة الإنسان في هذه الحياة الدنيوية لِيُنفُذْ بها ما أضمرت نفسهء ويُجِسّد بها ما اختارت حقيقته» ويظهر بها ما انطوى عليه باطنه. ولهذه الجنودء في حقيقتها وكما سنرى» استقلالية خاصة ووجود ذاتي ونطق وإدراك ذاتيَ وهي في هذه الدنيا تحت سيطرة الإنسان وإمرته» وفي الآخرة يُخلّصها الباري من هيمنة الإنسان وتقوم بالشهادة .

١ا7/‎ : محمد‎ )١(

(0) فصلت : ل زقرف الشورى 2

"7

بهذه الكيفيّة تزول الثنائية بين الإرادتين» ويلوح واضحا أنه ما ثمة غير واحدية. فالباري جل ثناؤه يُسَيرَ التفس الإنسانية إلى عين اختيارهاء ويقودها إلى عين إضمارها دون جبر أو إكراه.

لا وجود لإرادتين متباينتين» بل هي إرادة واحدة. الله يريد للعبد عين ما يريد العبد لنفسه, ويُنقذ له عين ما أضمر في قلبه» ليُظهر ما في بواطن القلوب» ويْبِدِيَ كواتم النواياء ويكشف مستور الحقائق. لعل في ذلك توضيح لبعض ما بطن في الآية العميقة الدلالة التي خاطب بها الباري سبحانه نبيه عليه وآله الصلاة والسلام حين قال له: «وَمًا رَمَينك إذ ريت ولككرج أنه رَيَنْ 204 ؛ فالحق تعالى يُئبت فعل الرمي للنبي عليه وآله الصلاة والسلام (إذ رميت)» وفي الوقت ذاله يلف له ندل ارد رما رسيا اقم نفو النهاية لفت يفيت عل الرمانة إلية تغالى (ولكن الله:رهى).

وبنفس الكيفية خاطب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فقال: كلم 2 م ولج أيه متخ 00# قَمَهَ التكامل بين النيّة الإنسانية واستغلال السنن الإلهية وتجسيد تلك النيّة؛ وأقصى درجات التناغم بين الإضمار والتوكل على الجبار وإخراج خبايا الاضمار. قضى الباري جل ثناؤه في أزله أن يُوقِف كُلَّ عند استحقاقه في سابقته» ومضى في حكمه أن يستعمل كل على شاكلته؛ ونفذ في أمره ألا يقهر أحدا على غير طبعه. سبحانه وتعالى عَالِم بالعالم من عِلْمِهِ بنفسه. محيط بعلمه كل شيء؛ إلا أنْ عِلمّه تعالى لا ينفي حرية العبدء وجبروته لا يُلغِي اختيار العبد. فعلمه تعالى علم حصر وإحاطة لا علم إلزام وإكراه؛ ليبقى بذلك الإنسان ممثلا لنفسه

)١(‏ الأنفال <- ا )١(‏ الأنفال : لا

لل

بنفسهء مختارا لنيته ولضميره» ومنفعلا عن طبعه وحقيقته . إذ ليس للإنسان في هذا الوجود سوى حقيقته أو عينه الثابتة في الأزل» المندرجة في العدم» العاجزة عن الوجود بذاتهاء العاطلة عن الفعل بانعدام إمكاناتهاء المُكتّوية بنار الافتقار والعدم» التواقة للوجود بفضل جود صاحب الكرمء التي تجلى عليها الباري وألبسها لباس الجود لتُعبّر عن نفسها ولتكشف عما بداخلها. ذلك أن مقام القبوت مغاير لمقام الوجودء وحكم القبوت بين الحق والخلق مخالف لحكم الوجود. فالحق تعالى واجب الوجودء ومن جوده سبحانه صارت كيئونة الوجود؛ بهذا الحكم يثني الخلق وجود الحقّ. أما فيما يخص التّبوت فإن الحق والخلق معا في التبوت. إذا كانت الإرادة في حق الإنسان تمثل تَطنّْم وإضمار حقيقته وعزمها ونيتها باتجاه غاية مراده» من ضمن بدائل وخيارات أخرى تخص نفس الغاية؛ تطلّع وإضمار إطلاقي المقام. أي دون النظر إلى الأسباب الربانية ودون الأخذ بناصية السنئن الإلهية المؤدية إلى تحقيق المراد . . . . إذا كانت الإرادة الإنسانية كذلك» فإن المشيئة في حق الإنسان تمثل قدرة ذاته على الأخذ بتلك الأسباب» وحسن التعامل مع تلك السئن والنواميس المؤدية لتجسيد الإرادة ولإخراجها من القوة إلى الفعل» ومن النية والإضمار إلى التحقيق في عالم الحس . فصاحب المشيئة له إضافة إلى الإرادة قدرة على التعامل مع السنن وعلى توجيه الأسباب ودفعها باتجاه المراد. والنفس الإنسانية في مقام ذلها وعجزها وافتقارها لا تملك خلق الأسباب التي تفصل إرادتها عن مشيئتها؛ بل كل ما باستطاعتها لا يتعدى توظيف المسبّبات؛ واستغلال المسخرات» ودفع الأسباب باتجاه تحقيق المراد؛؟ لذلك تبقى مشيئة الإنسان مرهونة بمشيئة الديان» ومرتبطة بمشيئة مسبب الأسباب .

ما بين الإرادة والمشيئة تكمن وديعة نفيسة» أودعها الباري في الإنسان وجعلها عالية المقام» ليس لها بالأسافل إلمام» وهي الهمّة.

والهمّة من أعزٌ ما أودع الله في الإنسان» ليس لها متعلق إلا بجناب الديان. هي براق المريدين» ومعراج السالكين؛ ورفرف العارفين. لا تقف أمامها حواجز ولا متاريس» ولا تعترف بحدود ولا بمقاييس؛ من ركبها لحق ومن تخلف عنها مرق؛ جاء في الأثر : " لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لناله ". ولاستقامة الهمّة علامتان متكاملتان: أولهما حالية وثانيهما فعلية. أما العلامة الحالية فتتمثل في أن يقطع صاحب الهمّة اليقين بحصول المراد على التعيين» وأن يجزم بالتحقيق دون تدقيق. وأما ثاني العلامتان فمجالها متعلق بالمشيئة في حق الإنسان» وهي أن تكون أفعال صاحب الهمة وأعماله وتصرفاته. بل وكل حركاته وسكناته تصب في اتجاه ما عقدت الهمة من أجله. من تعلق بجناب ذا الجلال والإكرام؛ وخلى قلبه من الأغيار» وكان توجهه إلى دار المقام والقرارء فهو صاحب همّة. أما من تعلق بالأغيارء واحتجب عن الأنوارء والتفت إلى ما سوى الجبارهء وملا قلبه بما سواه ويمّن وجهه إلى ما عاداه» فإن تعلقه لا يُسَمّى همّة بل همّاً. فصاحب الهم من أهل الآمال الكاذبة والأماني الخادعة؛ استولى عليه الشيطان فزين له سوء النوايا والتوجهات» وتمكنت منه النفس فأوردته مورد المهالك والشهوات» وتغلب عليه الهوى فحمله على بساط الرغبات والنزوات» وسيطرت عليه الدنيا فأشربت قلبه الميل إلى المحارم والمكروهات. أما ترى أن أصحاب الهمّم هم أهل الله قد هجم عليهم العزم فأورثهم الجد والثقة والجزم. وأن أصحاب الهموم هم أهل الطاغوت هجمت عليهم الآمال القاصرة والأحلام الخادعة فأورثتهم الهزل والتميع والريبة» لا يعرفون من الدين إلا الإسمء ومن الكتاب إلا الرسم. ومن أهل الهمّم إلا الورصف. يقول السيد قطب رحمة الله عليه : ' هذا الدين جد ولا يقبل الهزل» جزم ولا يقبل التمئِع» وحق في كل كلمة ونص فيهء فمن لم يجد في نفسه هذا الجد وهذا الجزم وهذه الثقة فإن الإسلام غني عنه والله غني عن العالمين ' .

؟

اعلم أنه إذا تجرد العبد من إرادته بإرادته وخرج من حضوض نفسه بنفسه. وأسقط عن نفسه الاختيار والتدبير وارتضى اختيار الله له بتمام التوكل وطلب التزكية والتطهير . . . . إذا قام العبد بذلك يكون قد أعطى إلى ربه أثمن ما يملك» بل كل ما يملك. أعطى ' حقيقته ' ؛ وتلك قمة التوحيد والعطاءء وذروة المعرفة والفناء. يكافئه ربه بأعلى درجات التكريم» ويقربه ويدنيه. ويكلمه لحظة التجلي ويناجيه : ' ليس بيني وبينك أنت . . . . ليس بيني وبينك بين . . . . أنت منظري . . . . لا سدول مسدلة بيني وبينك . . . . أنت تليني وكل شيء في الكون يأتي بعدك . . . . أنت في هذا المقام لا يستطيعك الكون ولا تقوى عليك الجنة ولا الئار .... " ''2. حينها تسقط عن العبد المساءلة لأنه أسقط عن نفسه الاختيار ووحد إرادته بإرادة الواحد القهارء فيتجاوز مرتبته البشرية ليَعْبّر إلى أشرف المقامات العُلويّة حيث لا اسم ولا رسمء ولانعت ولااوصف. يتجرد من إرادته فلا إرادة له. . . . يتخلى عن اختياره فلا اختيار له . . . . يخرج من حوله فلا حول له . . . . يَمَنى عن سمعه فلا سمع له .... يغيب عن بصره فلا بصر له . . . . تغشاه الأنوار الربانية» وتكلؤه المشيئة الإلهية» وترعاه الحيطة القدسية .... فلا يسمع إلا بنور الله .. .. ولا ينظر إلا بنور الله . . . . ولا يبطش إلا بيد الله .... ولا يمشي إلا برجل الله ... . يسقط الاختيار فلا مساءلة ولا محاسبة ... يُرفْع التكليف فلا ثواب ولاعقاب .... وكيف يُسأل مَنْ لا إرادة له . . . . وكيف يُحَاسَّب من لا اختيار له . . . . يَعمّد له لواء الخلافة العظمى التي يكون له فيها ربانية على الأشياء» يفعل بذات الله لا بذاته لأنه غاب عن ذاته وسَلْمَها حُبَاً واختيارا إلى ربه وخالقه . عن العبد الرباني يقول الباري جل ثناؤه في الحديث القدسي : ' عبدي أطعني أجعلك ربانيا تقول للشيء كن فيكون ' . في مقامه السامي

)١(‏ راجع ' المواقف والمخاطبات"' للشيخ النفري (رض). أو 'رأيت الله" لمصطفى محمودء دار العودة بيروت .

يض

يسترد العبد الرباني وخدته؛ ويستعيد أحديته» ويرجع إلى بساطة جوهريته: ويعود إلى فردانيته» دون أن يفارق عبوديته . وربانية الفرد لا تعني تخطيه مقام العبودية إلى مقام الربوبية؛ فالعابد يضل عابدا ومُحَالٌ أن يتحول إلى معبود. وما تَخَطي الدرجاتء. والإسكان في أشرف المقامات» وإسقاط المساءلات» وإعطاء الكرامات إلا فضل من الباري جل وعلا ومِنّة يتكرم بها على كل من عشق وإمتحق. وفْنِيَ واحترقء وتَمَكُنَ وما مرق» وأدبر وما افترق. يقول سبحانه وتعالى في حديثه القدسي: " من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إليٌ بالنوافل حتى أحبه» فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به. وبصره الذي يبصر به. ويده التي يبطش بهاء ورجله التي يمشي بها. وإن سألني لأعطينه وإن استعادذنى لأعيذته وما ترددت عن كتىء أنا تاغل تَرددي عن نطن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته "0 الكون حيّ ناطق

اعلم وفقني الله وإيّاك واجتباك إليه وهداكء. أن الباري جل ثناؤه ما خلق شيئا في الكون إلا حياً ناطقاء جمادا كان أو نباتا أو حيوانا أو غير ذلك» من ْمّارٍ العوالم العُلُويَّة والسُفْلِيَّة. كل ما في الوجود حيّ ناطق . . . . حي بإقبال النفس الكليّة عليه» ناطق بفيض العقل الأول عليه» علامة حياته ونطقه تسبيحه وخشوعه وسجوده. يقول سبحانه وتعالى في محكم تنزيله من جملة ما يقول: ون 1 أضوت انيه والا ومن فين تإد تن تتو إلا مح عرد تلك لا تتمهُون َنحَهمْ إِنّمٌ كان ليما عَثوا م 2"”4. . . . هل يُسَبْح لله تعالى من لم يكن حيا ولا عاقلا ولا عالما بِمُسَبّحِه؟. . . . لو أَرَا هَدَا آلقُرَانَ عَلَ جَبَلٍ لَرَأيْتَمْ حَشِمًا

م

2 5 ري م رار مي6 ل . وح هوم 04 ّ- رس سس مَُصَّدْءًا ين حَسْيَةٍ اله وَيَلْكَ الأْمكلُ سَْرِيهًا لئان لَعَلْهُم يفكوت ونيد

50 الإسراء‎ )١(

. : الحشر‎ )7(

يفن

.... هل يخشع ويتصدع من خشية الله من يجهل عظمة الباري ولا يعلم قدره وقدرته» والله يصف العلماء بالخشية حيث يقول: #8 إِسَا يحْنَى أَنَّهَ مِنْ عِبَادِه

سه مر

التلكثاً »4 ؟ . . . . «إًا عَريْا الْأَماتهَ عل لوت وَالْارض وَالِْبَالٍ كب أن َلَعَف نا وها لاسن ِنَّهُ 56 نوما جهُركَا 74" .... هل يأبى حمل الأمانة ويشفق منها من لا يعلم قدرها ولا يعرف مصير من لم يحافظ عليها؟ .... لل بَرَ أن َه يَسَجدُ لم من في المت ومن في الْارْضٍ والشّمس َالْعمَر والتجوم وَلْلْبَالُ وَالسَّجرٌ والدّوَابٌ وكير من ألن4”" هل يسجد لله تعالى من لم يبلغه أمره ولم يسمع قوله تعالى ؟ ....

لقد سرى سرّ الحياة الإلهية في الوجودء وشمل كل موجود. مِنّة من الوقاب الودودء ودليلا على الكرم والجود. فما ثمّة موجود إلا وهو حيء لأن وجوده عين حياته» وحياته بحياة الحق تعالى. وما ثمة حي إلا وهو ناطق» لأن نطقه غاية حياته» ونطقه بفيض الباري سبحانه . وهذه الحياة في كل الموجودات ذاتية لأنها عن تَجَلَّ إلهى؛ أوجدها (الموجودات) سبحانه لعبادته ومعرفته» ودوام تجليه عليها أعطاها حياة ذاتية دائمة. لقد كانت جميع الممكنات في أنفسهاء وقبل وجودهاء أشياء ثبوتية» وبتطلعها للوجود قبلت بشيئية الوجود على الحالة التي كانت عليها في شيئية الثبوت. فنقلها الباري عز وجل من القبوت إلى الوجود وَصيّرها في حالة شيئية وجودية حية بحياة وجُودِيُة» دراكة بإدراك وجُوديّء ناطقة بنطق وجوديء فلولا أن الباري تجلى عليها في مجلى العلم الوهبي ما كانت عالمة ولا ناطقة ولا مُسَبّحَة ولا مُثنية على الله موجدها؛ إلا أن الله تعالى أخذ بأبصار عموم عباده عن إدراك هذه الحياة المبثوثة وهذا النطق الساري في جميع الموجودات. فمن الموجودات ما ظهرت علامات )١(‏ فاطر : ١/8‏

(0) الأحزاب : الا .

[فرق الحج :8ا .2

"4

حياتها للأبصار وتجلت خصائصها للعيان» ومنها ما أخذ الله عنها الأبصار وغَيِّبَ عنها الأفهام في الدنياء إلا عن بعض خَواصّه من خلقه. فما بطنت علامات حياته واحتجبت عن الإدراك» واستترت عن الحواس سمي جمادا ونباتا وغير ذلك 000 وما ظهرت علامات حياته وبانت للإدراك وتجلت للحواس سمي حيوانا. والكلٌ قد عَمّته الحياة فنطق بالثناء على خالقه نطق معرفة وإدراك» من حيث سمعنا ومن حيث لم نسمع؛ والكل عَلْمه الباري فطرّة ما شاء من علمه الوهبي. من حيث علمنا ومن حيث لم نعلم. فمابقي جماد ولا نبات ولا حيوان ولا ملك ولا رطب ولا يايس» بل ولا معنى ولا صورة ولا خاطرة ولا

مخيلة ولا فعل .... لم يبق شيء إلا سبّح للباري جل وعلا وأثنى عليه د وثناء بلسان المقال والحال . . . . تسبيح معرفة وإدراك» وثناء خضوع وإطلاع.

فالكون وما حوى مخلوق لعبادة الله تعالى ولتسبيحه وتنزيهه. وكل مخلوق سوى الإنس والجن مفطور على تعظيم الحق سبحانه ومجبول على تسبيحه وعبادته بالقصد الأول. وهذا التسبيح بوحي ذاتي تقتضيه ذواتهم» وهو لهم مثل النفس للمتنفس . . . . وهذه العبادة طبيعية وذاتية لا أمرية تقتضيها حقائقهم. خارج دائرة التكليف» بعيدة عن الثواب والعقاب .

لقد أخذ الله عز وجل بأسماع عامة الناس عن تسبيح الجماد والنبات والحيوان» كما أخذ أيضا بأبصارهم عن إدراك حياة الجماد والنبات» إلا لمن خرق له العادة» كالرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام ومن حضر من أصحابه رضوان الله تعالى عليهم حين أسمعهم تسبيح الحصى وحنين الجذع . فقد صَمْ أن الحصى سبّح في كفه الشريفة» كما صمح حنين الجذع إليه. وخَرْق العادة ليس في التسبيح والحنين والقولء بل في تَعلّق أسماع البشر بذلك؛ فكل ما خلق الله تعالى لم يزل مُسَبّحاء مُمَجَداء مُثنياء عابداء» تسبيحا وعبادة تليق

بعظمته تعالى . ثم إنه قد ثبت في القرآن الكريم حديث نبي الله سليمان عليه

وا

السلام مع الهدهد وكلامه مع النمل»؛ وكذلك د تسبيح الرياح لنبي الله داود عليه السلام. كما ثيت أيضا خطاب الإمام علي ابن 0 طالب عليه السلام للثعيان على منير الكوفة وحديثه معه بلسان الفصحاء. وخطابه للذئب وكلامه للجمجمة بالنهروان وقد نخرت عظامها وبليت. وأثر عن الرسول الأمجد صلى الله عليه وآله وسلم قوله في شأن جبل أحد: ' هذا جيل يحبنا ونحبه ' كما أثر عنه أيضا

' إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث وكذلك: ' يشهد للمؤذن مدى صوته من رطب ويابس ". وأيضا: ' وما من دابة إلا وهي

فصار بمثابة الحيوان الناطق بين جلى نطقه وخفى» فالكل مسبح فطرة بحمد الله تعالى» وعابد ذاتيا لخالقه وبارئه» جعلهم الله جميعا أمما أمما. فالطير أمة»

والحيتان أمةء والجبال أمةء والزهور أمة. والأنعام أمة .... يقول الله عز وجل: #وا ين وَآبَةَ في الْاَرَضٍ ولا طهر يَطِرٌ ايه إل 8 مم أمتَالكُم ما رطا في

الكتّبٍ ين سو شر إل رَييمْ كروت 749" , وهده الأمم أمثال أمم بني البشر يشتركون جميعا في صفات الإدراك والنطى .

اعلم أن أعضاء جسد الإنسان كالآلة للنفس الناطقة. كل الأعضاء جنود مجندة وضعها الباري تحت إمرة الإنسان لإخراج ما أضمرت ذاته» وبيان ما بينت حقيقته» وكشف ما تعلقت به نيته وإرادته. وللنفس الناطقة في هذه الدنيا حكم وإمارة على جميع الأعضاء والجوارح من عين وأذن ولسان ويد ورجل وبطن وفرج وقلب ... . والإنسان مكلف بحسن تدبير شؤون مملكته» ومسؤول عن إقامة العدل بين رعيته» لأن الحق تعالى أعطاه القيومية على كل عضوء ورسم له الحدود وخط له الخطوط وأعلمه بخطابه جميع ما يتعلق بكل عضو منهم . ولكل

)01( الأنعام م

م

عضو من الأعضاء البدنية حياة ذاتية خاصة» وهذه الحياة صفة نفسية لذلك العضوء بها قبل تجليات ربه عليه» وبها علم ونطق وعبد» وبها يسبح ربه دائما درن فتور ولا لغوب., وبعين تلك الحياة الذاتية» التي أخذ الحق بأبصار وبصائر عامة الخلق عنهاء تشهد الأسماع والأبصار والجلود حين يحضرها الرب الودود لإقامة العدل يوم الخلود. يقول الحق سبحانه: 9وَيَوْمْ يُحَسَرُ أَعَدَاءُ َه إِلَ أَلنَار هم يروت (2©) عه إدا ما مها يد عَم سَممَهُم واه يرهم وَجُلْودْهُم نا كوا مساوق وكا عردم ليم هدم عن 6لرا أتلقا مه 4 ألذِى أ وَهُوٌ حلم

أل مَرَوَ وَإلْه ُتحَعُونَ ©" وقالأيضا: «آلو غيم عل أفوههم كلما دم وَكنْبَدُ لهم يما كأ يكير م24" .

سبحان ربي» ما أغرب ما في الإنسان؛ تتمرد ذاته وتتجنى حقيقته؛ ونُسبّح أعضاءه وتطيع جوارحه. مامن بشر يروم مخالفة الحق إلا وتتأذى أعضاءه وتستنفر وتتوسل بلسان الحال والمقال أن لا يستعملهم في معصية الديان؛ وأن لا يجعلهم سببا في هلاكه؛ لأنهم إذا أشهدهم الحق تعالى شهدواء وإذا أنطقهم تكلموا. فمن حق الجسد والجوارح على النفس أن لا تحركهم إلا في طاعة الله تعالى» وأن لا توظفهم إلا في خدمة الحق .

ألا يخجل العاصي من نفسه ؟. . . . ألا يحقر الملحد المتمرد نفسه ؟ والحال أن أعضاء الإنسان وجوارحه ناطقةء موقنة داركة» عابدة مطيعة» مُسبّحة مُئْنية . ألا يلزم ذلك الحياء من كل شيء حتى من أعضاء البدن والجوارح؟ ألا يقوي ذلك جانب الرقيب في الإنسان ويكون مدعاة لنهي النفس عن الهوى حتى تكون الجنة هي المأوى؟ ْ إذا وَكلك الله على الجوارح وأعضاء البدن

وجب صرف عنهم لمهالك والفتن

. 70١-9١89 : فصلت‎ )١( 5 »868 : يس‎ )"(

ا

وحق عليك إقامة العدل فيهم والإاحسان

بتحريكهم فى طاعة الخالق وخدمة الديّان

وعبادة الموجودات. سوى التُّقَليْنء لله تعالى دائمة مستديمة بدوام تجلّْي الباري عليها وتسبيحهاء عنديء, تسبيح مقال وحال. فالثمرات عند خروجها من أكمامها تسبح الحق تعالى بلسائَيْ المقال والحال .. . . والنحل عند سلوكها سبل ربها ذللا تسبح تسبيح مقال وحال .... والجنين من تحت ظلمات ثلاث يُسبّح تسبيح مقال وحال ... . والحيتان في أعماق البحار تُسَبّح تسبيح مقال وحال .... وأعضاء الكافر العاصي تُسَبّح تسبيح مقال وحال .... وقس على ذلك مالا يستطيع حصره ولا ضبطه لوسع مخلوقات الباري جل ثناؤه.

أما تسبيح المقال فهو تعظيم الممكنات لبارئها عز وجل وتنزيهها له بلسان فصيح ولفظ صريح وبلغات ولكنات مختلفة باختلاف حقائقها وأجناسها؛ يقول الله تعالى: #وَرَرِتَ سَليسَنُ دَاوْد وَمَالَ ايها لاس مُلمنا مَنيلقَ الطيرٍ وتيا من ل سَيْءٍ إِنَّ هنذا هو الْمَضصْلٌ الميين 09 ور لِسُلينَ جود ين لوألا وَالظيْرٍ َه يعون (6 حَّة دآ نا عل واد أَلتملٍ كلت تله يتأيّهًا امل أذغلوا مَكنَكُمْ لا يلتك سْلِسنٌ وَجُدمٌ وز لا يَنَْ 6 هسم سَاحِكًا ين كَولهَا وهال ني وزع أن أذكرٌ يننتك الى أَمَنت عل وَعلَ وَلِدَفَ وَأنْ ْمَل عجبلا رْضَنهُ وَأدْيْلى ِرَعْمَيلكَ فى عِبَاوِك أَلصَبنِسِنَ م4" لالطو متطق» وللتمل فول 4+ وأثر عن الرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام أنه تكلّم مع الذئب والجمل» وخاطب الطير والجبل» والكلب والشجر .... بلسان فصيح» تصريح لا تلميح . ومن الأحاديث الكثيرة المأثورة عنه صلى الله عليه وآله وسلم أتعرض

.١9- 515: التمل‎ )١(

"4

إلى الحديث التالي ذاكرا لا حاصراء حيث حدّث الشيخ أبو عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه "دلائل النبوة" بحديث طويل السند ويعود إلى غنيم ابن أوس قال : ' كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذ أقبل بعير يعدو. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها البعير أسكن. فإن تك صادقا فلك صدقك, وإن تك كاذبا فعليك كذبك. مع أن الله تعالى قد أمُن عائذناء ولا يخاف لائذنا قلنا: يا رسول الله. . ما يقول البعير ؟ قال : "' هذا بعير هَمْ أهله بنحره. فهرب منهم فاستغاث بنبيكم فبينما نحن كذلك. إذ أقبل أصحابه يتعادون. فلما نظر إليهم البعير

فقالوا : يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منا منذ ثلاثة أيام. فلم نلقه إلا بين يديك .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' يشكو مُرٌ الشكاية '

فقالوا: يا رسول الله ما يقول ؟

قال: ' يقول إنه ربي في إبلكم جواراء وكنتم تحملون عليه في الصيف موضع الكلاء فإذا كان الشتاء رحلتم إلى موضع الدفء "

فقالوا: كان ذلك يا رسول الله .

فقال: ' ما جزاء العبد الصالح من مواليه ؟ ' .

قالوا: يا رسول الله فإنا لا نبيعه ولا ننحره.

قال: ' فقد استغاث فلم تغيثونه» وأنا أولى بالرحمة منكم» لأن الله نزع الرحمة من قلوب المنافقين» وأسكنها في قلوب المؤمنين " .

م

فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم بمائة درهم. ثم قال: ' أيها البعير انطلق فأنت حر لوجه الله " .

فرغا على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' آمين

ثم رغا الثانية

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 2 امين

ثم رغا الثالثة

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' امين

ثم رغا الرابعة» فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقلنا : يا رسول الله :ما يقول هذا النعير ؟

قال: ' يقول: جزاك الله أيها النبي عن الإسلام والقرآن خيرا . فقلت: آمين. فقال : سَكْن الله رعب أُمَتِك يوم القيامة كما سكنت رعبي. قلت آمين. قال : حقن الله دماء أَمّتِك من أعدائها كما حقنت دمي . قلت: آمين. قال: لا جعل الله بأسها بينهاء فبكيت وقلت: : هذه خصال سألت ربي فأعطانيها ومنعني واحدة» وأخبرني جبريل عن الله أن فناء مَك بالسيف. فجرى القلم بما هو كائن "7" . وأمّا تسبيح الحال فله من المظاهر ما لا يحصرها أحدء ولا يتناهى له عددء ولا يسعها إدراك لوسع أسماء الله الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الحكيمة وتجلياته الجليلة. فتسبيح الموجودات لله تعالى من حيث إسمه الحي مثلا " هو عين وجودها بحياتهاء وتسبيحها له من حيث إسمه العليم هو دخولها

)2 البداية والنهاية (ج5/ 117 للحافظ ابن كثير الدمشقي» دار المعارف» بيروت؟ راجع كذلك "من معجزات الرسول (ص)- حيوانات تكلمت"» لمحمد عبد الحليمء دار المعرفة .

14

تحت علمه؛ وتسبيحها له من حيث إسمه القدير هو دخولها تحت قدرتهء وتسبيحها له من حيث إسمه المريد هو تخصصها بإرادته على ما هي عليه؛ وتسبيحها له من حيث إسمه السميع هو إسماعها له إياه كلامها وهو ما تستحقه حقائقها بطريق الحال لكنه فيما بينها وبين الله بطريق المقال» وتسبيحها له من حيث إسمه المتكلم هو كونها موجودة عن كلمته ...."'2 ؛» وقس على ذلك باقي الأسماء والصفات والأفعال والتجليات.

وعباد الرحمن في شأن نطق وتسبيح الموجودات على ثلاثة أوجه : منهم من كشف لهم الحجاب فرأوا الأمور بالعينين وشهدوا النجدين» وأولئك أصحاب الكشف والشهودء وحَدوا الله توحيد أهل الأسرار. ومنهم من رزق الإيمان فصدّق وأقرّ بذلك لأن كله من عند اللهء وأولئك أصحاب الإيمان» وَحَدُوا الله توحيد أهل الإقرار. ومنهم من حجبت أبصارهم وبصائرهم عن المشاهدة وحرموا الإيمان. وأولئك أهل النظر وعبيد العقول. وَحَدوا الله توحيد أهل الأفكار الواقفون مع الإعتبار. يقول أهل الشهود سمعنا ورأيناء ويقول أهل الإيمان آمنا وصدّقناء ويقول أهل النظر ما سمعنا ولا رأينا ولا صدّقنا حتى نُحَكم العقول وتُمعِن الرُسُومء ونسترشد الإفهام لنستخلص ما يمكن أن يكون بالإمكان.

ماسر اختلاف نطق وعبادة التثقلين على نطق وعبادة ما سواهما من الموجودات ؟ اعلم أنه لما كانت صفات الباري جل ثناؤه حاملة لجانبي الجبروت والرحموت.». وحاوية إشقّي القهر واللطف». وفي ذلك كمال ما بعده كمال» كان تجليه تعالى لإيجاد الثقلين مختلفا عن تجليه لإيجاد سائر الموجودات الأخرى .

)١(‏ راجع 'الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر" ء ج١١‏ للشيخ عبد الكريم الجيلي (رض)» دار الفكر.

١

توجّه تعالى على إيجاد سائر الموجودات بتجلّيه الأقدس عليها من حيث أسماء الجبروت والكبرياء» والعظمة والقهرء فخرجوا أذلاء تحت هذا القهر الرباني» مُصْطَلِمين بهذا الجلال الصمداني 200 خحْشُمٌ أبصارهم. تواكس أذقانهم , مهطعي رؤوسهم 200 ثم إنه سبحانه أشهدهم كشفا ودون حجاب كيف أن نواصيهم جميعا بيديه؛ وبواطن سرائرهم بين إصبعيه» وعرّفهم أنهم في قبضة فعبدوا ربهم عبادة فطرية ذاتية. ومافتروا عن تسبيحه تعالى» ولا سئموا من تقديسهء ولا استحسروا من عبادته. وما شغلهم عن تمجيده الشهوات» ولا قطعهم عن تعظيمه سهو الغفلات . أما التّقَلِيْن فقد توجّه على إيجادهم بتجليه الأقدس عليهم من ناحية أسماء اللطف والرحمة» والحنان والرأفة» فخرجوا ولم يروا صفة قهرء ولا جناب عزة» ولا جهة كبرياء. خرجوا وفي نفوسهم طمعا للكبرياء. وحبًا للخلود وللظهور. وجرأة على معصية الأمور؛ وفي طبائعهم ميل للشهوات» وتوجه نحو النزوات» ومكان لسهو الغفلات .

ألم تر أن الله تعالى حين استوى الاستواء الأقدس وتوجه إلى السماء وإلى الأرض بالخطاب قال في شأنهما : ثم ستو إِلَّ أله وه دُحَان معَالَ ها وََرْضِ ينا موه أ كرَهً فالآ بدا بيرت مَتَصَدهُنَ سبع سمواتٍ فى يومف أذ فى كل سَمَآِ أَمرهَا4”''. علمت السماء والأرض أنْها إن لم تُجِبٍ الداعي اختيارا أجبرت على الإتيان اضطراراء فيؤتى بها كما جيء بجهنمء لذلك لَبّنا وأجابتا وقالتا: ' أتينا طائعين ' . لكن حين تكلم سبحانه في شأن التْقَليْن قال: وما حلفت أن والإنى إِلَّا ليجبدون ©" . ما جبل الثقلين على طاعة الأمر الرباني دون معصية مثل بقية المخلوقاتء, لذلك نبه الله تعالى على أن الغاية من خلق الثقلين هي العبادة . فقال: ' ليعبدون " أي ليعرفوا مقامي وليكونوا أذلاء بين يدي .

١١-01١١: فصلت‎ )١( . (؟) الذاريات : 5ه‎

3

فمن تنبه إلى ذلك كان من الكثير الذي يسجد لله تعالى» ومن لم يتنبه كان ممن حقت عليه كلمة العذاب: يقول سبحانه وتعالى: #ألر تر أن أنه يَسَجْدٌ َم من في هم رس 5 ا رص ص 004100 مير رمىر ير لصم ها لس ال 7 0-0 السَمنوت ومن فى الأرضٍ والسّمس «القمر والتجوم وَللْجَال والشّجِرَ والدوابٌ وكيب 4 8 4 )غ0

من س © .

واعلم أيضا أن الله تعالى لما خلق الجماد فطره على المعرفة به والعلم. ولما خلق الحيوان فطره على العلم به وجعل له الشهوة. ولما خلق الملائكة فطرها على المعرفة به وجعل لها إرادة إلهية؛؟ ذلك أن الإرادة إرادتان إرادة إلهية كما للملائكة وإرادة طبيعية ولها تعلق خاص بالشهوة. ولما خلق الإنس والجن فطرهم على المعرفة به وعلى الشهوة؛ أو الإرادة الطبيعية» وزادهم العقل”" . فالعقل هبة ربانية خاصة بالثقلين. ما جعله لهم لإكتساب العلوم» فإن العلوم كانت مكتسبة منذ كان الإنسان في حضرة الإطلاق» قبل قدومه إلى هذه الدنيا. واكتساب العلوم يكون بالقوة المفكرة وليس بالعقل . منح الله تعالى الثقلين العقل ليردوا به الشهوة إلى ميزان الشرع» وليدفعوا به النزوة» وليبعدوا به الرغبة والحماقة في غير المحل المشروع. ذلك أن شرع الله تعالى لم يأت لقمع الشهوة ولا لخنق الرغبة»؛ بل جاء لتهذيبها ولتأطيرها ووضعها في مسارها الصحيح ومحلها المشروع حتى توظف فيما يرضي الله ويرقي الإنسان» وينفع الحياة والأحياء . وما سوى الثقلين في محل كشف مستمر وإطلاع دائم للغيوب الإلهية المستورة. أما الإنس والجنء في هذه الدنياء فمحجوبين عن إدراك الغيب الإلهي وعن مشاهدة ما أستتر عن الإحساس . محجوبون بعدة حجب. لا يطلع أحد من الإنس والجن على ذلك الغيب إلا بكرامة يكرمها به الله تعالى» أو منة يمنها عليه .

والمؤمن بإيمانه» والمحسن بإحسانه. والموقن بيقينه | .امام يستطيع كل

. الحج :كا‎ )١( (؟) راجع الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي (ق.س .) 'الفتوحات المكية' مثلا.‎

3

منهم أن يتخطى جل أو بعض الحجب . إذا فعل الإنسان ذلك وتخلص من أسر العوالق» ترك الله قالبه واصطفى منه قلبه» ونوره بالإيمانء فوسع ذلك القلب جلال الحق» وخرقت له العادات»؛ وعاين جميع الممكنات ليس في حال وجودها فقطء بل وكذلك في عدمها وفي حال ثبوتها؛ ورفع الله عبده فوق كل الموجودات؛ وقريه إليه ونفى عنه المسافات؛ وجعله خليفة على كل المخلوقات. وأطلعه على كل الغيوب وأعطاه المنن والكرامات. أما سمعته سبحانه حين يقول في حديثه القدسي ما معناه: " ما وسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ' .

ل

ل 20 7 1 ير 2 0 5 ص 31 3 د مغر - 2 3 0 0 لىّ ُُ هه #وَإِنْ أحد من لمشركي 2 حق لسمع كلام

0-0-7

يك سح دو سر

م + فوم ل يسلتوت و46 :

أن ثم أَبِعَُ مَأمَنَم ذلك يانهم [التوبة : لله دم ابك

اعلمأنَالكلامكلامان كلام في حق الباري وآخر للإنسان لولاكلامهلما كانت الأعيان ولاكان وجودولاككؤن ولاثقلان كلماته تامات مُجلات للعيان شاملات محيطات بكل ما في الأكوان أسمعها للأعيان في عدمها فصار كل حرف منهاروح للأبدان سماع كلماته أول مراتب الأكوان بها كانت البداية وبها يكون الختام فسبحان العالم بحال من قال له كن فكان كلامنا برزخ بين النطق والأقوال أثرللنطق عندالإنسان عباراته مُحَصّلة صادرة عن الأفكار قاعدةللقولوللأفعال يكون دفعاتٍ بترو وإمعان ذلك أن الإنسان مركب زمان فشتان بين من أسمع ومن لَوْلَاكُنْ ما كان

الكلام الذي في حق الباري سبحانه

اعلم وفقني الله وإياك» أن كلام الباري جل ثناؤه صفة ذاتية من صفاته تعالى» وتجَل من تجليات علمه باعتبار إظهاره إياهء لا يعدو أن يكون سوى " إفاضة مكنونات علمه على من يريد إكرامه من خلقه * ''2. وكلامه سبحانه منزه عن أحوال المخلوقات» بلا تلفّظ ولا أدوات» ولا جوارح ولا لهوات» لا يُوصّف بالماهية ولا يُقدّر بالكمية» لا ينعت بالكيفية ولا ينظوي تحت سؤال

)١(‏ راجع 'المعارف العقلية' أبو حامد الغزالي» التعاضدية العمالية للطباعة والنشر ١١948‏ تونس.

7

الهلية؛ سبحانه جل وعلا كلامه كقدرتهء وقدرته كإرادته» وإرادته كعلمه؛ وعلمه من أجل صفاته. وصفاته مستندة في عينها إلى ذاته» وذاته غائبة مغيبة في غياهب غيب الأحدية. لا تفهم بمعلوم إشارة» ولا توزن بمفهوم عبارة» ولا تدرك ببعد همة» ولا تنال بغرض فطنة» جل أن تدركها العقول والأفهام. وعز أن تجول فيها الخواطر والأفكار.

واعلم أيضا أن كلماته تعالى ليست سوى نفس أعيان الممكنات. كل ممكن كلمة من كلماته سبحانه» وكلماته لا تتناهى» وما لا يتناهى لا ينفدء فلا نفاد للممكن كما لا نفاد لكلماته تعالى : #قل لو كَنَ لحر هِدَاءا لكت رق لَنَقدَ ير َلَ أن لَعَدَ كلت رَقِ ولو جننا يلو مده 43 .2'١‏ والكلمات لا تزال دائما متتالية» والمخلوقات لا تزال توجدء والخالق لا يزال يخلق؛ يقول تعالى: «وَلز أثما فى الْأيْضٍ من سَجَرَدَ أقلم وَالبَحَرٌ يَمَدُمْ من بدو سَبَِعَةُ أضخر ما مَيِدَتْ كِِسَتُ أغَو إن لَه عزو حكلة (0469".

لكلام الله تعالى وجهان صادران عن مقامين مختلفين» ومترجمان أما الوجه الأول. والمعبر عنه بالكلام الألوهاني؛ فيكون صادرا عن مقام العزة بأمر الألوهية فوق عرش الربوبية 7" وذلك أمره العالي وقدره الغالي خارق لأسماع الأعيان في عدمها عند تجليه سبحانه عليهاء وعند نقله إياها من حالتها الثبوتية إلى حالة وجودية» منة منه تعالى ورحمة وجوداء ليصير بكلماته الوجود وجوداء وليجريه تعالى على أمره عناية منه فيكون وجودا سعيدا. لذلك

. ١٠١9 : الكهف‎ )١(

() لقمان : لا

(5) راجع “الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل' » للشيخ عبد الكريم الجيلي (رض)؛ ج١؛‏ دار الفكر.

1/

توجه سبحانه إلى السماوات والأرض عند الإستواء الأقدس قائلا: #أيِتَا طَرْعًا أو 4 َالَتآ أَنْبَِا طَأبِعِينَ4”'' . أتته طائعة غير عاصية» وراضية غير مكرهة» وفي ذلك عناية منه ولطفا وتكرما. والمطيع مرحوم»ء مجازى وغير مذموم» لذلك سبقت رحمته غضبه» بل وسعت رحمته كل شيء» شملت كل شيء»؛ وأحاطت بكل شيء : ولو أجرى عليه حكمه بالمعصية والإباية لكان غضيه أسبق إليه من رحمته عدلا وإنصافا. يقول سبحانه: #قَالَ عذَاىَ ا بو مَنْ أكاء وَيَحْمَّقَ وَسِعَتَ أ تو َأَكمُببَا الِلَذِينَ يَنقُونَ ويُؤفرت _األرَكَرةَ وَالَدِينَ هُمَ ايا ل ال فلله تعالى رحمة إمتنانية متعلقها كلماته الألوهانية» ورحمة واجبة معخصوصة متعلقة بكلامه الرباني .

رحمة الإمتنان هي الرحمة العامة التي يرحم الباري بها الوجود من

عيق المئة ومن عخزائق'الجؤه ٠.‏ + :. رحمة واسعة: شائلة: محظة: نيا مَحَيّى ورزق كل موجود سوى الله تعالى. فما في الوجود من عين ولا حال ولا أثر ولا رسم إلا وشملته رحمة الإمتنان وأحاطت بهء وكانت محلا له ووِعَاءا لظهوره. ومن شمول رحمته الإمتنانية أن دخل غضبه تعالى تحت وسعهاء فوسعته وشملته وأحاطت به. وحصرته وحكمت عليه؛ وهي ا اي ا 0 #ِْمَا رَحَمتر من لله لِنتَ لَهُمَ ولو كُنتَ مَطَا غَدِظ التَنْبِ لآنتَمُوا ين حول 04" . وقال له أيضا:

م 40-0

#ومآ أَسَسلَكتَ إلا ان حمة لِلعنلميت رهزا هعم 1

أما الوجه الثاني» والمُعبّر عنه بالكلام الرباني» فيكون صادرا عن مقام

. 1١١ : فصلت‎ )١(

(؟) الأعراف : ١65‏ . (6) آل عمران : ١869‏ . (5) الأنبياء : ٠‏

5:5

لقي بلكل السية سن الخالن كلق كالصحف والكتب المنزلة على الأنبياء؛ والمخاطبات لهم وللأوصياء» والمكاشفات للأصفياءء والمكالمات للأولياء. ولما كان كلام الأس لا يحمل في طياته صفة قهر ولا جناب عزة ولا جهة كبرياء» كانت فيه نسبة الاختيار وحرية الرفض والقبول» فوقعت بذلك الطاعة والمعصية للأوامر المنزلة في الكتب على الأنبياء والمرسلين» والقبول والمخالفة لنهج الأوصياء والمنتجبين. بذلك يكون الجزاء في المعصية بالعذاب عدلاء والثواب في الطاعة فضلا. ما جعل الله تعالى لخلقه نسبة الاختيار وحرية القرار بفضله إلا ليصح لهم الثواب . فعقابه تعالى عدلا وثوابه فضلاء وذلك له متعلقا بالرحمة الواجبة المخصوصة. فمن أجل وجوبها واختصاصهاء دخلت الرحمة الواجبة تحت القيد بعد الإطلاق.

برحمة الامثنان ظهر الوجودء وبرحمة الامتنان يُوفْق الخالق خلقة إلى الأعمال الصالحة الموجبة لتحصيل الرحمة الواجبة في الدنياء وبرحمة الامتنان أيضا يكون مآل أهل الشقاء إلى النعيم في الآخرة. فالله تعالى رحمان ورحيم. رحمان في العموم ورحيم في الخصوص. رحمان برحمة الامتنان ورحيم برحمة الوجوب . رحمة الامتنان وسعت كل شيء.؛ ثُئّال من غير عمل مستحق» وبها رحم الله من وَفْقَه للعمل الصالح الموجب للرحمة الواجبة. كلام الإنسان

إذا كان النطق يعكس قدرة النّمْس الإنسانية على تصور صور مجردة مُتبرئة عن الشكل معراة عن المثل» ويعكس تمكين الذهن من التفكير في تلك الصورء والعقل من الإحاطة بظاهرها وباطنهاء والقلب من استجلاء حقائقها بذواتها المجردة .”''. . . إذا كان النطق كذلكء» فإن الكلام في حق الإنسان هو

)١(‏ راجع أيضا ' المعارف العقلية ٠"‏ أبو حامد الغزالي؛ التعاضدية العمالية للطباعة والنشرء تونس م943١‏ .

إعطاء تلك الصورة المجردة عبارات منظومة» ومسميات مفهومة؛ صادرة عن الفكر النطقي والحدس العقلي». دون لفظ عبارة ولا إحداث إشارة» ولا تقطيع صوت ولا تشكيل حرف . مادام المعنى الروحاني مركوز في الذهن» مستور في غياهب الفكر سمي نطقاء فإذا خرج من تجريده وانتظم في تشكيله وتم في تركيبه وتعبيره) وصدر عن الفكر سمي كلاماء وإذا تحركت بألفاظه الشفاهء ولفظت عباراته الألسن»؛ وحمل في الهواء»؛ ونقل إلى الأسماع؛ وأحاطت به الآذان سمي قولا.

والباري عز وجل ليس بناطق لأن الناطق هو العاقل» والعاقل صاحب عقل» والعقل جوهرء والله سبحانه متعال عن الجوهرية علوا كبيرا ' لا من شيء كان ولا من شيء خلق ما كان ' كما يقول الإمام علي ابن أبي طالب عليه وآله السلام ”'؛ سبحانه مُبِدِعَ العقل وبارئه وخالقه وإلهه. مُنْطِقَ كل شيء وهو بكلَ شيء لطيف خبير. علمه موجب العقل. وكلامه موجب النطق. والنطق» وإن عظم قدره وكبر أمره؛ فهو صفة من صفات النّمْس الإنسانية» ووصف من أوصاف العقل البشري . نُطقٌ الإنسان أصل كلامه وأثر من العقل الأول» والعقل الأول أثر كلمة من كلام الباري؛ وكلامه تعالى لا يتبدل» ومدده لا ينقطع. وعلمه لا يتغير. كلام الإنسان أثر نطقه وثمرة علمه. يصدر عن فكره دفعات دفعات» بتسلسل وروية وأناة. تحكمه القبلية والبعدية» وهذه المراتب تنتظم في حق الإنسان لأنه مخلوق جار عليه حكم الزمان. أما الحق سبحانه فمتعالٍ» فوق الزمان» خارج عليه وعلى المكان؛ واحد بذاته» مُقَدَسٌ بصفاتهء مُتفرّد بتجلياته؛ مُنزّه عن أحوال مخلوقاته .

)١(‏ راجع ' الفلسفة والإعتزال في نهج البلاغة '. د. قاسم حبيب جابرء المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيعء بيروت ل/اّمة١‏ .

اه

الأوامر الإلهية

لما كان الكلام الذي في حق الباري سبحانه على نوعان : كلام ألوهاني وآخر رباني» فالأمر الإلهي أمران : أمر من دون واسطة وآخر بواسطة. أمره الذي من دون واسطة متعلق بكلامه الألوهاني» مقامه مقام العِرّة فوق عرش الربوبية» ولغته ألوهانية. أما أمره الذي بواسطة فمتعلق بكلامه الرباني» مقامه مقام الربوبية» ولغته أَنْسِيّة .

أمره الذي برفع الواسطة نافذ كمشيئته» مُحَقّق كقدرته؛ ماض كحكمه. لا تجوز مخالفته ولا إمكانية لمعصيته. تصدر أوامره التي بدون واسطة عن تركيب ُعَبّر عنه في اللسان العربي بلفظة " كُنْ ". ' كن ' هي اللفظة الوجودية وكلمة الحضرة الإلهية التي نابت مناب جميع الأوامر الإلهية برفع الوسائط . فكلمات الله كلها مجموعة في كلمته تعالى ' كُنْ '. و' كن " من خصائص الأمر العدمي لا ثُقَال إلا لمن هو موصوف بلم يكن» عنها ظهرت أعيان الكلمات» وبها تحقق وجود الممكنات. وقد أخبر الباري جل ثناؤه أنه ما من شيء يريد إيجاده إلا ويقول له ' كُنْ *: 9إِنَمَآ أمرُهُ: إآ راد سبِعًا أن يَُولَ لم كن كيكو ©4.

وما الكون سوى كلمة الحضرة الإلهية " كن " بواوها الغيبية لا يزيد ولا ينقص عنها شيء. ذلك أن لكلمة ' كن ' جانبان» جانب ظاهر يتكون من حرفي الكاف والنون. وآخر باطن يتكون من ثلاثئة حروف الكاف والواو والنون» وأصله "كون". حذفت فيه الواو لالتقاء الساكنين (الواو والنون). والواو المعظم صفة اسم الله الأعظم كما أثر عن الإمام علي بن أبي طالب عليه وآله السلام. الواو حرف علة» لهذا وجد عنه التكوين» وهو (الواو) مواز للتوجه

(0) يس : .

جه

الإلهي الباطن في كل شيء في الوجود ”''. فظهر العالم على صورة الحق تعالى؛ وصورة العالم على قدر الحضرة الإلهية الأسمائية» وظهر الإنسان الكامل على صورة العالم وصورة الحقء. وذلك معنى من معاني الحديث الشريف ' إن الله خلق آدم على صورته ' . خلقه مرآة ومجلاة . . . . مرآة يرى الحق صورته فيهاء ومجلاة تكون محلا لتجلياته .

ما الكونء بل ما في الكون سوى كلمات الله التامات» وكلماته تعالى أمره الذي برفع الواسطة» وأمره يطاع ولا يعصىء. ينفذ ولايرد. يسري ولا يخالف» ذلك لانه متعلق بالإرادة الإلهية يلازمها ولا يخالفها. يقول تعالى : #وين َايَيوِه أن تَقُوم السَمَآهُ والأرض يمرو ثم إذَا معاكم مَعْوَةٌ ين الأرضٍ إِذَا اشر

رون 6 0

وعن سرعة نفاد أوامره يقول سبحانه : #ومَا أَمَرْئاً إل وحِدة كنج بِالْبِصَر 64 0 و كلح بِالبِصَرِ» أوردها تعالى للتشبيه الحسي لأنه ليس من التشبيه

أما الأوامر الربانية التي بواسطة فترد على ألسن الأنبياء والمرسلين» والأوصياء والمنتجبين» بصيغة أمرية مشتقة من اسم الفعل» دالة على الفعل؛ كأن يؤمر الإنسان مثلا بإقامة الصلاة» بإيتاء الزكاة» باجتناب 1 أو 7 تكون هذه الأوامر في القرآن الكريم عادة على ثلاثة أضرب . إما أن

يا الفعل تيه الام منباشزة كقوله تعالى: #أْقِوٍ ألصَّلَرَ لِدُلُوكِ الشَّمْيس لاعتو

ا وراد 0 ب 0 م 6 00 00 0000 00 00

)١(‏ حول هدا المعنى راجع ' الفتوحات المكية ' للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي (ق.س) فرق الروم : 59 . () القمر : ٠ه‏

(:) الإسراء : 4لا .

يفن

وأا لج وَالْمبرة بنَ2'”45. أو أن يرد الأمر الرباني المُوجّه للناس في شكل خطاب للرسول الأكرم 1 ول كقوله تعالى : قل لنْمؤييت يَحْضُوأ مِنْ أ تصترهخ مَحْنَظوأ مُوْجَهُزْ دَلكَ أنَكَ َم إِنَّ نه حي يما ستئرة © تل إلتؤبتب يتشضن بن عدر ومفَلَ مهن كلا يليت ريه إِلَامَا ظهَرَ ينها وَلضْرقَ طم عل و4" وكذلك قوله تعالى: لكل

سدها ف الا نأنظروا حكيت بدأ الْكَلقّ عد أَنَدُ ينتوم اللّنأة الآيدراً إن أله عَلّ كل نىْ كيك ©4”". أد يأني الأمر بعد لفظ ' كتب عليكم ' كقوله

تعالن: ع أل “اا يت عل اليساش في لقتل كذ كلك وا د بالمبدٍ والْأنق بِالأق وكذلك: ليها الَدِينَ اموا كيْبَ عَلِحَكُمْ أَلصّيَامُ كا كِب عَلّ ليت ين مَك للك تَنَ 49 . يُطِيع تلك الأوامر الربانية من يشاء من خلقه تعالى» ويعصيها من يشاء منهم. والعاصي ليس في الحقيقة عاص » فلا أطوع من الخلق لقبول أوامر الحق». بل هو عاجز عن الامتثال لتلك الأوامرء ضعيف عن اجتناب تلك النواهي. غافل موس ليد يه ".... ونعوذ بك من العجز والكسل .... ' . فتارك الصلاة مثلا ليس في حقيقته عاص» بل في نفسه قَذَرٌ دن العفو الميكر كول لها عن اناب مة الصلاة. وكذلك مُتبّع الشهوات» نفسه أضعف وأحقر وأعجز من أن تقاوم الشهوة» وتردع النزوة؛ ضعيفة الإرادة مسلوبة الهمّة. بالقدر الذي تكون فيه المعصية أكبرء بالقدر الذي تكون فيه النفس أضعف وأعجز . . . . بالقدر الذي يكون فيه البعد عن الصراط الرباني» بالقدر الذي يستفحل فيه الداء ويستعصي فيه الدواء. إنها أمراض النفوس أَوْحم

. ١95-0186 : البقرة‎ )١( . ”1- ٠ : النور‎ )0(

(9) العتكبوت : 5٠١‏ (8) البقرة : م (5) اليقرة : ١817‏ .

6

عاقبة من أمراض الأبدان والعقول. لا علاج منها إلا بإتباع طريق الملك القدوس» فسبحان من جعل الدواء في اسمهء والشفاء في ذكرهء والزيادة في شكره» والوقاية في طاعته. الخطاب الإلهي

اعلم وفقني الله وإيّاكء أنْ خطاب الحق تعالى أو كلامه لمن شاء من ا#إدواتي جاه اللفظة أو اغنام على للدت بوكو ناج ختاة ار من زرا ريجات أو بواشسطة وشول ::وذلك قوله شالق + طون 06 لقن أن فكلنة أده إل وَعَنًا أو مين ورآى حَابٍ أو بِرْسِلَ رَسُولا تج بِإِذنه م يَك إٌ ِ جد ج976 كما ورد عن عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف يأتيك الوحي؟ قال عليه وآله السلام: " أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي» فيفهم عني وقد وعيت عنه؛ قال: وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول' .

وقد حدد الله سبحانه وتعالى المخاطب (بفتح الطاء) في سورة الشورى بقوله " بشرا ' كما حدد أيضا آليات الخطاب معه. فالإنسان في بشريته لا يسمع خطاب الحق تعالى إلا بهذه الضروب التي ذكرت في الآية الكريمة أو بإحداها. أما إذا ارتقى البشر عن مرتبة البشرية» وشرع في معراجه نحو خير البرية» كلمه مولاه وخاطبه وناجاه بضروب أخرى من ضروب الكلام تتماشى ورفعة المقام؛ فلكل مقام مقال. ولكل مقال كيفية خطاب» وآلية كلام ... . إذا ارتقى وعرج وما غوى؛ وثبت وما ارتوىء, كلمه الحق تعالى بما كلم به الأرواح المجردة عن المادة» كل حسب علو مقامه» وكل حسب رفعة درجته.

. : الشورى‎ )١(

الوحي

الوحي هو الخطاب الإلهي السريع الأثر في نفس السامع» محله القلب إفهاما وهداية وإلهاما. يكون فيه عين الفهم عين الإفهام عين المفهوم منه؛ وما ثمة طريقة للبشر أسرع من ذلك. وحيه كلامه؛ وكلامه أمرهء وأمره أجل من أن يخالف. وسلطانه أقوى من أن يقاوم بل هو أقوى سلطانا في نفس الموحي إليه من طبعه الذي هو عين نفسه .

المولود الرضيع حين يتلقى فطريا ثدي أمه للرضاعة هداية من الحق» ذلك أثر من آثار وحيه تعالى .

النحل حين تتخذ من الجبال ومن الشجر بيوتاء وحين تذلل لها سبل السير ذهابا وإياباء وإلهاما وإفهاما من الحق تعالى» ذلك أثر من آثار وحيه لها؛ يقول عز وجل : وَأ رَيْكَ إِلَ الل أ أيَذِى مِنَ َل يو وَمنَ ألنّجَرِ وما بون © ث يّ من كل المت تسل سبل رَيكِ للا 374 أمُ موسى عليه وعليها السلام حين ألقت رضيعها في اليمٌ انصِيّاعا للأمر الرباني» مع أن ظاهر الأمر يوحي بهلاك الرضيع» ذلك أثر من آثار وحي الحق؛؟ يقول تعالى : لوَأْوْسيئَا ِلك أ موت أن ضيه يدا حِفْتٍ عَلَيهِ كَالْقِيهِ ف اليم ملا تَحَافِ ا خرن انآو ليك وَعَالوة يس التزبيت © 4”” . حين تخاف على رضيعها تلقيه في اليمُ؟ كأن الِيمٌ سبيل نجاة ووسيلة حفاظ . إِنَّ عدم ترددهاء وعدم مخالفتهاء وضعف سلطان الأحكام البشرية عليهاء دليل على أن سلطان الوحي قوي في نفس الموحى إليهء بل أقوى من الطبع .

والوحي على وجهين: الوجه الأول هو بمثابة إلقاء الحق تعالى في قلب المُوحى إليه حديثا برفع

. 7 : النحل : 519-58 . (؟) القصص‎ )١(

كه

الوسائط لتحصيل علم ما. فمن المكلمين (بفتح اللام) من تناجيه الحقيقة الذاتية فى نفسهء فيسمع خطابا بكليته لا بأذن ولا بكيفية» لا بحدلمأخذه ولا بجارحة . لا من جهة ولا من مصدر خارجي عنه .

والخطاب الإلهي المُسمَى وحيا يجب أن يكون حاملا للعلم» لأن الوحي ضرب من ضروب كلام الحق تعالى؛ وكلامه إفاضة مكنونات علمه على من يشاء ويرتضي من عباده. إن كان إلقاء العلم في القلب عن طريق آخر غير الكلام والخطاب» فهو إلهام وليس بوحي. فمن الناس من يجد في قلبه علما من العلوم الشرعية الشريفة أو الغيبية اللطيفة أو غيرهاء دون خطاب ولا كلام, فذلك العلم صحيح. لكنه ليس عن طريق الوحيء لأن المِئّة الربانية والهبّة الإلهية لم تكن عن طريق خطاب ولا كلام .

أما الوجه الثاني من وجهي الوحي فيكون إلهاما بخطاب كذلك» لكن بعلامة أيضا. علامة يعلم المُوَحَى إليه بها أن الذي خاطبه وكلمه هو ربه ومليكه. وعادة ما تكون العلامة أو الكرامة من طلب المُوحَى إليه حتى لا يلتبس عليه الأمرء فيُكرِمه الحق تعالى بكرامة تكون دليلا له إذا رجع إلى محسوسه على سلامة علومه وصحة مقامه مع المولى عز وجل . إذا ألقي على قلبك خطابا وزعمت أنه وحي من الحق تعالىء فَرُدّه إلى الميزان عد إن تقميلك و انطو لها :يها تكد أن مما له تردد أو مخالفة» فإن وجدت لذلك أثرا بتدبير أو تفكرء بتسويف أو تعقلء فاعلم أنك لست صاحب وحي ؛ وإن حكم عليك وأَصَمّكء وحال بين فكرك وتدبيرك» وبين عقلك وانصياعك؛, وعلا فوق طبعك. وحرّك فيك همّتك». وأمضى فيك حكمه. فذلك وحي .

من وراء حجاب

إذا كان الوحي محلّه القلب» فإن خطاب الحق تعالى للبشر من وراء

باه

فيدرك أنه كلام المعبودء ويفهم منه المراد والمقصود. وهذا الوجه من الكلام يكون عند تجلّي الحق لعبد من عباده الكرام . واعلم أن من وِسْع الحق تعالى عدم تجلّيه لعبد في حالة مرتين» ولا بنفس الحالة لعبدين؛ فلا تكرار في مظاهر التجليات الربانية برغم الكثرة» لأنْ كل شيء له وجه خاص يختلف به عن مثيله . فخطاباته وتجلياته تعالى في جِدَّة دائمة وأولية مستمرة لتجدد الخلق على الدوام . كل نفس إلهي يحمل في طياته جديدء ولا مجال للإعادة؛ ولا مكان للتكرار.

يصحب الحجاب الكلام عند التجلّى حيث كان؛ ويمكن أن يكون الحجاب صورة روحانية أو جسمانية أو غير ذلك» يتكلم الحق تعالى من وراءها. فتخاطب العبد تلك الصورة الإلهية وهي عين الحجاب» فيفهم من ذلك الخطاب ويَعِي علم ما يدل عليه مدرك أن ذلك حجابا.

كان الحجاب صورة النار التي لاحت لنبي الله موسى عليه السلام من الشجرة المباركة التي كلّمه الله تعالى من وراءها من جانب الطور الأيمن في البقعة المباركة» حيث قال تعالى: طقَلَمًا قضَى موتى الْدْملَ وسَارَ يأَْيو “اكت ين جَاٍ الور كا َل هيه أتكثرا إن عقنت تلا لل عيكخ ينها عير أو بجذرز يب ألثَارِ آمَلَكُمْ تصطارت © قَلمَآ أندهًا وك ين مَدطي ألوا لبن في الم الْمرَكَةٍ مِنَّ السَّجَرَوْ أن يموع إِنْت أنا أمَهُ رَث الصكيي © »”''.

ومن لطف الحق تعالى بخلقه أن جعل المناجاة كلام لا مشاهدة فيهاء تكون دائما مصحوبة بالحجب. وللحق تعالى حجب نورانية وأخرى ظلمانية» والكل خصها بالمنع والاستتار. فهي لطيفة مانعة خفية» يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ' إن لله سبعين حجابا من نور وظلمة. لو كشفها

. “٠ - "59 : القصص‎ )١(

م6

لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه " .

والإنسان في بشريته لا يرى لهذه الحجب عيناء ولا يعاين لها أثراء لأنها بنررها تحجر عا بيعي »: تمن بعودين ةا لا لجعت تسم بالحجب وبحجب الحجب كذلك,. وهو القريب الأقرب إلينا من حبل الوريد؛ فنورانية ظهور الظاهر حجاب؛. وظلمانية استتار الباطن حجاب» وغاية القرب حجاب. وغاية البعد حجاب . . . . وذلك ما قسم الظهورء وحير العقولء وأذهب النوم عن الجفون؛ يقول الحق تعالى : لفَوْلَا إذا بلقت الخلفى () وشم حبذ تطردة (7©) مَضَنْ أب لبد يكم ولككن لَّا هرون 749 .

أو يرسل رسولا الوجه الثالث من كلام الحق تعالى لعباده هو عن طريق رسول مرسل ؛ يمكن أن يكون الرسول من جنسناء أي بشراء أو من غير جنسناء أي ملكا.

يكلم الله تعالى عباده البيشر بواسطة بشر كالأنبياء والمرسلين» والأوصياء المنتجبين عليهم السلام أجمعين. يقول تعالى : #وَإنْ أَعَد يَنّ لمنركين اسْتَجَرةَ مره حَقٌّ يسَمَعَ كلم آم ثُرّ أنيفة ممم دَِكَ يأمَثم كَرْمٌ لا يَعَلموت 46" .

الكلام منسوب إلى الله تعالى والتبليغ مكلف به الرسول الأمين صلى الله عليه وآله وسلم» وما سمعت الصحابة رضوان الله عليهم كلام الله إلا من فم الرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام .

والرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بشريته كان إذا أتاه الوحي يفنى عن عالم الحس» ويغيب عن الأغيار» ويرغو ويسجى إلى أن يسري عنه وقد

. 86 _ الواقعة : "م‎ )١( . "5 : التوبة‎ )5(

6

وعى. وما كان ذلك بالأمر الهين» بل كان عظيم الوزن شديد الوطأ عليه .

إذا كان الرسول الأمجد يبذل الجهد الجهيدء والمجهود الكبير لتحصيل الوحي ثم يلقيه على مسامع الناس» فهو كلام الله لنا من وراء حجابء. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم صورة ذلك الحجاب وترجمان لكلام الله .... أشرف صورة حجاب جاد بها المعبود في هذا الوجود. فهو صلى الله عليه واله وسلم الترجمان والحجاب والدليل؟ كما ورد في الدعاء الصباح للإمام علي بن أبي طالب عليه وآله الصلاة والسلام : " .... صل اللهم على الدليل إليك في الليل الأليل. والماسك من أسبابك بحبل الشرف الأطول. والناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل» والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الأول .... ".

والحديث الشريف أو السنة المطهرة مثلها مثل القرآن الكريم بنص من الديان» لأن الهوى ما عرف طريقا إلى الرسول الأمين صلى الله عليه وآله وسلم؛ بل كل ما ينطق به عن الحق سبحانهء يقول تعالى : #ومًا يلق عن الوك © إن مر إلا م ين م4”"". فالقرآن الكريم كلام الله تعالى» وما كل كلامه تعالى قرآنا؛ وأحاديث الرسول عليه وآله الصلاة والسلام كلام الحق تعالى» وأحكام السئة المطهرة أحكام الله تعالى.

يمكن أيضا أن يكون الرسول ملكا مرسلا إلى الرسول المأمور بالتبليغ ؛ يعني رسولا لذلك الرسول البشر. فالملك عليه السلام في هذه الحالة ترجمان الحق تعالى في قلب العبد المكلم بواسطة الرسول الملك. يقول الحق تعالى : لقُن من كالح عَدُوًا لْبِيلَ فَنمُ يَّلمْ عل كَلبِكَ بِإِدْنِ أل مُصَدْهًا لَمَا تت يديه

مما ىل موي | اعمج . زفق وهدى وصسروقلد لِلْمُؤْمِنِيَ © .

(0) البقرة : 91 .

00

لإِنَمَا الى ء يذ رده أن توك لهك مَبَكون () > [النحل : ]1٠‏

فُرّقبينالقولوالكلام شين الول مكيل الككم بقوله يسمع كل معدوم من الأعيان بكلامه يسمع الموجود بوجدان لولا قوله لما كان عابد من الثقلان راقولا كيتيا كان [لحيقاء فبيحان من يقوله كان الوجود والامكان قولناتمام الكلام عندالإنسان خير ترجمان للفكر وكذا الوجدان مندرج تحت الصوت ملفوظ باللسان متعنكل الله والعييتان

قول الباري سبحانه

يتراءى لك ما توارى عن الأذهان قول في حق الديان وآخر للإنسان فبكوة الاكر وجوة ركان فيعلمماهوكائنوماقدكان ولامسَبّحبحمدالديان ولاوحي في يقظة ومنام وبكلامه أظهر كل مستور للعيان زينة النّمْس ومن أسس الإيمان في عالم الحس المُقيّد بالنُسيان محمول في الهواء منقول إلى الآذان من غياهب العقول إلى أرحام الأذهان

اعلم وفقك الله أنَّ قول الباري مختلف عن كلامه تعالى» ولكل منهما متعلق وأثر. فبالقول الرباني يسمع المعدومء وأثر القول في المعدوم هو الوجودء وذلك ما أشرت إليه في الفصل السابق بالكلام الألوهاني الصادر عن مقام الجِرّة بأمر الألوهية وبدون واسطةء وهو قوله تعالى : 8إنَّمَا تنا لتىكء إذَآ

أدنَهُ أن نول له كن مَبَكْون وج 274 . عنه سالفا بالكلام الرباني الصادر عن مقام الربوبية بلغة أنْسِية» وهو قوله تعالى : لوَكلَمْ لَه موس تَحكَيليمً74".

قوله تعالى إيجاده وإبداعهء وهو (أي القول) انتهاء النّمُس (بفتح الفاء) الرحموتي إلى عين كلمة من الكلمات قصد إظهار عينها بعد بطونهاء وإغناءها بعد إفقارهاء وتفصيلها بعد إجمالها. وما كلماته التامات إلا أعيان الممكنات التي أخرجها عز وجل من عدمها وألبسها خلعة الوجود. مِنّهَ منه وكرماء وجعلها محلا لتجليات أسماءه وصفاته .

كانت الأعيان في العدم»؛ والعدم عندنا ليس بمعدوم بل حضرة سالبة» قابلة» عاجزة . . . . وكانت لذواتها خصوص وصف وهو الافتقار الكامل» والاحتياج المطلق» والعجز التام. لم يكن لها شيء من النسب إلا السمع. وكانت في عدمها متطلعة إلى الوجودء مستعدة في ذاتها لقبول الأمر الإلهي إذا جاد عليها بالوجود. فلما أراد الباري جل ثناؤه إخراجها من حضرة العدم إلى حضرة الإمكان» وكا سيحانه أن فليا محلا لولارة أسماء الحيق وصفاتة العلياء تَوجُه إليها بقوله الأقدس " كُنْ * فكانت» وظهرت في أعيانها وبانت. فأوّل ما أدركته من الباري تعالى كلمة الحضرة الإلهية ' كُنْ ' فامتثلت وانتقلت إلى حضرة الإمكان تمهيدا للوجود واستعدادا لقبول تجليات المعبود.

والله سبحانه قائل وقوله الحق . . . قائل بذاته أزلا وأبداء أوّلا وآخراء ظاهرا وباطنا 5 قائل بلا انقطاع ولا روية؛ ولا استغراق ولا قبلية ولا بعدية. قوله تعالى ظاهر بالإيجادء باطن بالإمداد» نافذ بالمبدعات؛ ألطف من أن يتحَيّز

. : التحل‎ )١(

. ١58 : النساء‎ )١(

بالأصوات» أو يقبل ترتيب الدفعات» قلا يكون بصوت ولا بمخرج ولا باآلةء كما لا يكون كلمة بعد كلمةء أو عبارة بعد عبارة» ولا جملة بعد جملة؛ لأن الاسترسال والروية تحكمهما القبلية والبعدية» والحق تعالى فوق الزمان» متعال عليه وعلن المكانة.

القول عند الإنسان

أما بالنسبة للإنسان فإن القول تمام الكلام وإظهار البيان قصد الإفادة» وذلك بجريانه على الألسن وبنقله إلى الأسماع. والقول زينة النفس الناطقة» وعلامة عاقليتهاء ورمز إدراكهاء وآية كمالهاء وهيئة صورتهاء وثمرة تحصيلهاء ونتيجة معارفهاء ومدخل سعادتها أو مأخذ شقائها.

فالمعنى الروحاني المجرد إذا اتصل بالنفس» وإنتقش في غياهب العقل» وانطبع في مرآة القلب» وتمكنت النفس من إعطاءه العبارة» يكون نطقا. والنطق إذا أخرج من تجريده وتم في تركيبه» واكتمل في تشكيله؛ وأعطي عبارات منظومة؛ ومسميات مفهومة» بتراكيب مدروسة وتعبيرات محسوسة» يكون كلاما. والكلام إذا جرى على اللسان» ولفظته الشفاهء؛ وتحركت به الأفواهء وأحدثت عباراته أصواتاء وحملت الأصوات فى الهواء» ونقلت من الأفواه إلى الأسماعء وأحاطت بها الآذان» يكون قولا. والقول لا يكون مفيدا إلا إذا تجاوزت عباراته الآذان» بل إذا اخترقت آذان الأجساد وقرعت آذان القلوب لتصل نظمها إلى المفكرة» وتنتقش صورها في الحافظة» وتنطبع هيئاتها في المخيلة؛ وترتكز معانيها المعراة المبرأة عن المحسوسات في العقل» وتبلغ آثارها في سلوك النفس تهذيبا وإصلاحا.

والقول غير النطق والكلام» لا يظهر إلا بواسطة أدوات». ومراتب وآلات . مخرجه الفم والشفاهء وجهته الآذان والقلوبء» وإطاره الأثير أو الهواء . لا يصح القول إلا بين قائل ومستمع مخاطب . الناطق مع نفسه ناطق وإن لم

6

يلفظ بعبارة أو لم يومئ بإشارة» والمتكلم مع نفسه متكلم وإن لم يحرك لسانه أو يحدث أصوات. أما القائل فلا يصح له قول ولا ينجلي له سر ولا يبان له مفهوم إلا بمخاطب مستمع, والمخاطب يجب أن يكون من جنس القائل ذا جانبين مفارقين :

جانب لاهوتي وآخر ناسوتي. لاهوتي للتحصيل» وناسوتي للتعبير .... لاهوتي لضرورة إنتقاش المعاني الروحية وإيصالها إلى أعماق الفكر وأغوار القلب» ونظمها العبارات» وتهنا المسميات» وإعطاءها التركيبات ...ناسوتي لإخراج المعاني من باطن الفكر إلى ظاهر القول؛ ومن عالم المعاني والأفكار إلى عالم الأحاسيس» ولتجسيد المسميات الممنوحة بإحداث الأصوات ونقلها عبر الهواء إلى آذان الأغيار قصد الإفادة» والإيفاء بالغرض. جئتان هامدتان لا تستطيعان القيام بمحاورات بتبادل الأقوال والكلمات. إنسان بلاهوته وناسوته لا يستطيع أن يحاور جثة ناسوتية. أرواح لاهوتية فيما بينها لا تقيم تحاور عن طريق الأقوال والكلمات؛ ولا عبر الأفواه والآذان» بل بكيفية مخالفة وبطريقة مغايرة.

إعلم أن قول الإنسان لطيف بوجهء كثيف بوجه آخر. تكمن لطافته في معانيه الروحانية» وعباراته المعقولة» وفي إمحاء أثره في الأثير أو الهواء بمجرد خروج العبارات من الأفواه. وتكمن كثافته في الآلات والأدوات التي هيأها الحق تعالى للأيدان من حناجر وألسن وأفواه.

والإنسان إذا استعمل آلاته لإحداث أقوال» فإنه يحرك موجات في الهواء مثلها مثل التي توجد في الماء الساكن عندما تقع عليه قطعة من حجر. موجات لا تختلف عن بعضها إلا في طولها وفي تفاوت ذبذباتها. والأذن البشرية لا تستطيع أن تتعامل مع هذه الأمواج كأمواج» كما لا تستطيع أن تحس بهذه الذبذبات كذبذبات؛ بل طبيعة ما يحدث أن الخلايا العصبية في الأذن تتأثر بكل نوع من هذه الذبذبات بطريقة مختلفة» وتنقلها إلى مراكز السمع في الدماغ

55

لتترجم هذا التأثر العصبي بلغة اصطلاحية مألوفة لدى الإنسان في شكل أصوات . وهذه المؤثرات السمعية ليست في حقيقتها أصوات» بل هي موجات واهتزازات» والمخ يترجم أطوال وذبذبات الموجات المختلفة التي ترد عليه بشفرة مألوفة لدى الإنسان ويطلق عليها التعريفات التي هي عبارة عن تصورات واصطلاحات .

وهذه الموجات بأطوالها وبذبذباتها تبقى على حالتها الأولى تسبح في الأثير» ومن الممكن إلتقاطها وحل شفرتها وسماعها مرة أخرى. والعلم؛ حتى يوم الناس هذاء لم يتمكن من إعادة تلك الأصوات إلى حالتها؛ بعبارة أوضح مازال غير قادر على ضبط هذه الموجات مرة أخرى مع أنها لا تزال سابحة في الهواء منذ مغادرتها الحناجر والأفواه. وتبقى من المسلمات العلمية إمكانية إيجاد آلة تلتقط الأصوات السابحة في الأثير منذ القدم. كما يلتقط المذياع الأصوات المذاعة من محطات الإرسال. إلا أن المسألة الأكثر تعقيداء من الزاوية العلمية» لا تكمن في مجرد التقاط الأصوات القديمة» بل في التمييز بين الأصوات الكثيرة والعدد الهائل من الموجات المتداخلة حتى يتسنى للإنسان سماع الأصوات كل على حدة بطريقة مفهومة وبعبارات مرسومة. لقد تم حل جزء بسيط من المسألة وهو ما تعودنا على سماعه فى الإذاعات» حيث أن آلاف الإذاعات تذيع برامجهاء وتمر جميع هذه البرامج عبر الفضاء بسرعة فائمة. والمرء لا يسمع خليطا هائلا من الأصوات عند فتح المذياع » لأن كل إذاعة تبث برامجها عبر موجات محددة لا تشترك معها الإذاعات الأخرى : موجات طويلة» قصيرة أو متوسطة. بهذه الطريقة» ورغم تداخل الموجات في الفضاء فإن المذياع لا يلتقط إلا الموجات المحددة.

لم يتوصل الإنسان إلى اختراع آلة تفرق بين الأصوات قديمها وحديثهاء

ولو تسنى له ذلك لسمع اللاحقون أقوال السابقين» ولأقيمت الحجة ظاهرا على المخالفين ولكان الثواب ظاهرا للصادقين.

/ا5

إن بقاء الموجات الكلامية في الأثير سابحة دون تغيير» يعطي إمكانية سماع الأقوال المتلفظ بهاء ومن ثمة لا غرابة في سماع كل إنسان لنفس أقواله يوم تأتي كل نفس معها سائق وشهيدء لإقامة العدل الإلهي ”'"2. إن ذلك لا ينفي وجود الكرام الكاتبين عليهم السلام؛ المسخرين من قبل العليم الخبير لتدوين كل ما يصدر عن الإنسان» حيث يقول سبحانه وتعالى» عن الإنسان: ما يلنِظَ من كَل إلا لدَْهِ رقب عَتِيدٌ ()4”" . فالله عز وجل يقيد كل قائل بما تلفظ به وبما سمع منهء فلا يتخيل قائل أن الحق تعالى أهمله وإن أمهله» فالكتبة الكرام عليهم السلام يحصون الأقوال.

ما قيل في شأن الأقوال يمكن تعميمه كذلك على الأفعال؛ ذلك أن جميع أعمال الإنسان؛. سواء المباشرة في النور أو في الظلام؛ موجودة في الفضاء في شكل صور كالأفلام» ومن الممكن في أي لحظة تجميع تلك الصور للتعرف على طبيعة أعمال البشر . إن كل الحركات والسكنات الجامدة أو المتحركة». المحدثة في النور أو في الظلمة» تصدر حرارة بصفة دائمة في أي مكان وعلى أي حال كانت . حرارة تعكس الأشكال والأبعاد تماما كما تعكس أصوات الموجات الهوائية التي يحركها اللسان. وقد توصل الإنسان منذ سنين إلى اختراع آلة دقيقة» تستعمل أشعة ما تحت الحمراءء لتصوير الموجات الحرارية المغادرة للأجسام؛ أي توصل إلى إعطاء صورا فوتوغرافية كاملة عبر الزمان والمكان لأي جسم حينما تصدر عنه تلك الموجات الحرارية. ويمكن الحصولء. بواسطة تلك الآلة» على تسجيل موثق» مؤقت ومحدودء لأعمال الإنسان. إِلَّا أن تلك الآلات التي تم اختراعها وتطويرها حتى الآن» مازالت محدودة الفاعلية» حيث أنها لا تستطيع تصوير الموجات الحرارية السابحة في الفضاء إلا خلال ساعات قليلة من وقوع الحدث؛ أما الموجات الحرارية

)١(‏ حول هذه الفكرة. راجع أيضا : 'الإسلام يتحدى" » لوحيد الدين خان» ترجمة ظفر الإسلام خان. )اق :8 .

54

القديمة» فإن الآلات عاجزة عن تصويرها لضعف مستواها الحراري .

إذا كانت الأنفاس معدودة» والأقوال مُدوئّة مسطورة» والأعمال مُطَلَّع عليها مكشوفة»ء فالأجدر أن يحاسب الإنسان نفسه قبل أن تحاسب ويراقب أقواله وأعماله. فمن كان ذا علم ودراية كان مقامه المراقبة» ومن كان مقامه

المراقبة كان حاله المحاسبة .

إن إمكانية مشاهدةالأفعال كإمكانية سماعالأقوال بمشابةالدليل والبرهان على حقيقة الوقوف أمام الديّان في يوم يوضع في هالميزان لمحاسبةالإنس وكذاالجان فإمارحمةومِئًةمنالرحمان أو عدل وقصاص من السلطان إِمًاأمان ودخولإلى الجنان حيث النعيم والروح والريحان

أو الكب على الوجوه في النيران

حيثث الجحيم والحميم الآن

عليك أيها العزيز أن تراعي أقوالك كما تراعي أفعالك» فإن أقوالك من جملة أفعالك». وعلى أفعالك أن تنسجم مع أقوالك لتجسد وحدة بين العقيدة والتصوّر والسلوك؛ فالقول دون الفعل ممقوت من الحق تعالى» يقول سبحانه : ييا اد اموا لم تَُولُوت ما لا تَنْمَنُونَ يم حِكَبْرٌ مَفْنَا عند أنه أن تَمُوُوا ما لا تَفُمَلُورت © . والفعل عكس القول ضرب من ضروب النفاق» والمنافقون في الدرك الأسفل من النار.

وعليك أيضا أن لا تتخير من أقوالك إلا الطيب» فإن الكلمة الطيبة يقول في شأنها الحق تعالى :لالْمْ يَرَ كِنْتَ صَرْب أنَهُ متلا كِمَهُ طْقِبَهُ كْتجَرَوَ طِِبَةِ أضلها تبت وَدَعْهَا فى التسمد تُؤْقٍ أكُلَهَا كُلّ مين بدن

. "2" : الصف‎ )١(

14

َيِه يرب آَنَهُ انَل لئاس لمَلَهْ بتَتَكَرْنَ م74 ؛ والكلمة الخبيثة يقول في شأنها سبحانه :لوَمَثّلُ كل حبك كُتَجَرَوَ حنَِ أبن ين فرق لْأَرَضِ ما لَهَا ين قَرَارِ 59 .

كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاء ورد في الخبر ما معناه : ' إن الرجل يتكلم بكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيهوي بها في النار سبعين خريفاء وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيرفع بها في عليين ' .

لا تتلفظ إلا بما يرضي الله تعالى من الأقوال» وإلا فإن الصمت أسلم وأجدى وأنفعء أثر عن الرسول الأمجد عليه وآله الصلاة والسلام قوله: "وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصاد ألسنتهم ' ٠‏ وكذلك ما معناه : ' من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " .

للسان آفات تردي العليل بها المهلكات؛ قد أحصاها صاحب 'روضة الطالبين وعمدة السالكين " رضوان الله تعالى عليه؛ عشرون آفة © كشف عن مستورهاء وحذر من سمومهاء فعليك بالكتاب فإنه يهدي إلى حسن الخطاب» ويسلك بك طريق الصواب .

اجتهد بأن لا تتعسف على الناس وبأن لا تكون أقوالك مدعاة للفتنة» وذلك بأن لا تحدثهم إلا بما يتناسب ودرجاتهم الإيمانية؛ ومستوياتهم العقائدية» وطاقاتهم العقلية» فإنه لكل مقام مقال؛. ولكل مقال أوعية وحملة». والقلوب كما يقول الإمام علي ابن أبي طالب عليه وآله السلام : " أوعية؛ فخيرها أوعاها ". والناس ثلاث كما يقول عليه السلام : " فعالم رباني» ومتعلم

. 5360 1514 إبراهيم:‎ )١(

(7) إبراهيم : 51 .

(") "روضة الطالبين وعمدة السالكين' لأبي حامد الغزالي» رضي الله عنهء الباب الثامن عشر (في بيان معنى آفات اللسان وهي عشرون آفة) .

على سبيل نجاة» وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح "''؛ ورد في بحديث لا يفهمونه كان فتنة على بعضهم ' .

غابة القول

اعلم أن جوهر الإنسان هو نفسه الناطقة العاقلة» الدراكة العلامة» وأن جميع صور المعقولات كامنة في النفس بالقوة» وأن سر من أسرار الحياة الدنيوية هو تزكية النفس بإخراج تلك الصور من بوتقة القوة إلى دائرة الفعل. لتصير عقلا بالفعل» فتسمو عن المحسوساتء. وتترفع عن السفليات» وتعلو عن الشهوات؛ وترقى عن الجسمانيات .

والنفوس البشرية الناطقة قبل تعلقها بالأبدان الترابية» تعلق إقبال لا تعلق حلول واتصال؛ كانت في حضرة نورانية» تنعم بجمعية ربانية وتجليات أسمائية .... كانت في حضرة الإطلاق صافية لطيفة مشعة؛ حيث العلم المجمل؛ والإيمان الكامل» واليقين التام. ثم كان هبوطها تفصيلا من حضرة الجمع إلى حضرة الفرق ... . من أنوار اليقين إلى ظلمات الرحم والماء المهين» في هيكل اللحم والطين . . . . إلى الدنيا دار الابتلاء ومحل التكليف . بنزولها إلى الدنياء وبتسربلها سرابيل الجسدانية» وبانحصارها في حيز البشرية تضرب على النفس الحجب . تستلمها الحواس» وتجانها شال وتأخذها الرغبة» وتصرعها الشهوة؛ وتسجنها الدنيا. تتراكم عليها الحجب كي لا تعلم من بعد علم شيئا. في بداية اتصالها بالدنيا تكون النفس فطرية حنيفية» غير قابلة لمعاني المعقولات؛ غير قادرة على إدراك المحسوسات, فاقدة لرسوم علوم الأوليات .... ومع ذلك فهي في جوهرها وفي حقيقتها كاملة بذاتهاء مركوز في غياهبها

)١(‏ راجع كلامه عليه السلام لكميل بن زياد النخعي و . نهج البلاغة " ل/ؤووىلءى ص ”7 الارء مؤسسة المعارف للطباعة والنشر- بيروت .

ان

المعاني المعقولة؛ مجمول في أعماقها العلوم اليقينية»؛ مجموع في داخلها العقائد الفطرية» بحيث لا تحتاج إلى شيء من خارجهاء إلا من يساعدها على إزالة الحجب المسدولة» وعلى رفع الستائر المسبولة» وعلى التخلص من الحواجز الموضوعة.

والنفس إذا أرادت الاستفادة» وعزمت على رفع الحجب بالتعلم». صارت نفسا مستفيدة . والنفس المستفيدة إذا أقبلت على النفس المفيدة للتعلم وهما في حصار الأبدان» لا يتيسر لها ذلك إلا بالاستماع من خارجها؛ كما أن النفس المفيدة لا تستطيع إفاضة مكنونات علمها إلا بإلقاء الأقوال. لذلك هيأ الباري جل ثناؤه السمع والألسن والآذان والحناجر للأبدان» كي تتمكن النفس العالمة المفيدة من إخراج المعاني المركوزة» وإظهار المعارف المستورة؛ وتبليغها ببيان وعبارات» وألفاظ ومسميات؛ فتلتقطها النفس المستفيدة بآذان الأبدان والقلوب. لتحدث المنفعة وليحصل المرغوب .

فالقول من المفيدء والسمع من المستفيد» سنة الحق تعالى» كي لا تنقطع مواد العلوم عن أصول النفوسء ولا تحتجب الهداية عن طلابها والساعين إليها. تكون إفاضة النفس بأحد طريقين : إما بالقول أو بالكتابة؛ ويكون تحصيل المعارف بأحد طريقين : إما بالسمع أو بالقراءة. أما الاستفادة فلا تكون إلا عن طريق الفؤادء فسبحان القائل : #قل هُو الْذِىَ ناك وَجَمَلٌ لك

7 اح مر روج ع ص مر روء و ما 2 2-6 ّ_- -- ع هه ١‏ ْم وَالصَرَ والأقيدة فيلا ما مَنَكْروتَ 469" ''.

السمع إن السمع مقدمعنالعلموالبصر

. 5" : الملك‎ )١(

فى

مائمة غير قول وسمعإن كنت ذا نظر

القول منه والسمع منا بذلك صارللوجود أثر '"كن' أصل الوجود ذاك ما ورد في الخبر

أسمعها الباري لكل بممكن فامتثل وائتمر سمع الخلائق مقدم عن التمثيل في الصور

وملازمها إلى ما بعد يوم الفصل المنتظر كل سمع غير مولد لوجد فكن منه على حذر

لا سمع بغير وجد ولا قول بلا معرفة وعبر

السمع مرتبة متقدمة عن العلم والبصرء فقد ورد في القرآن الكريم اسم 'السميع * مقترن باسم " العليم " في 7” موضعاء وفي كل مرة يكون السمع متقدم على العلمء كقوله تعالى : لوَلِمٌ ما سَكنَ فى اليل وَالْمَارٍ وَهُوَ أَلسنَمِيمٌ الْمَلِيمٌ © . . كما ورد اسم ' السميع ' مقترنا بالبصير في ١١‏ مرة» وفي كل مرة يكون السمع متقدم عن البصرء ٠‏ كقوله تعالى : «ذللك يأك أنه يولج َيِل في نهار وَبُولِحٌ انسار في البَلِ وَل أله سميمٌ بَصِردٌ 74 .

اعلم أن يي ل ل الإلهية ' كن ". فالقول منه جل ثناؤه والسمع من أعيان الممكنات» وبذلك الجود كان الوجود. ما ثمة إلا قول وسمع» وغير القول الإلهي والسماع الكوني لم يكن شيء؛ فالقول والسمع مرتبطان غير منفصلين.

ليس بالضرورة أن يكون السامع متصفا بالوجود عند إلقاء الكلمة الإلهية؛ فالباري جل ثناؤه يسمع المعدوم في حال عدمه كلمته ' كن ٠"‏ فيكون

)1( الأنعام .

20( الحج : 31

رف

المعدوم عندما تتعلق بسمعه الثبوتي تلك الكلمة وذلك الأمر الرباني بالوجود.

للسمع مرتبة شريفة ومميزة في الوجودء فالسماع الإلهي أول مراتب الوجودء وهو كذلك آخر ما يصدر عن الباري لكل موجود.

أما في البداية فذلك ظهور الوجود عن قوله الأقدس " كن ". حيث أسمع سبحانه كلمته للممكنات في عدمها فامتثلت» وظهرت في أعيانها وما استترت» بعدما كانت في عدمها مخفية ولحالها منسية» وبافتقارها موصوفة وبعجزها منعوتة. فأول شيء نالته من بارئها هي مرتبة السماع الإلهي. أما في الختام فإسماعه تعالى خطابه لكل عباده الشقي منهم والسعيدء» كل حسب استحقاقه. ففي حق الأشقياء أصحاب الجحيم» بعد إدخالهم جهنم ونيلهم من الحميم» يأتي الخطاب من السلطان العظيم : ' إخسؤوا فيها ولا تكلمون' . أما فى حق السعداء أهل النعيم. بعد إدخالهم الجنان حيث الروح والريحان» والتكريم الدائم في كل آنء والرؤية والتجلي للعيان» يأتي الخطاب من الديان» كله لطف وكرم وحنان» كما أخبر الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة؛ فيقولون : لبيك ربنا وسعديك» والخير في يديك. فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؛ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده ا

أخبرهم سبحانه وتعالى بالرضاء التام وهم له سامعون» وما ثمة نعيم أعلى ولا جزاء أجزى من ذلك. فختم سبحانه بالسماع كما بدأء ولازم السمع كل نفس من البداية إلى الختام . فطوبى لمن كانت له نفس عالمة وأذن واعية.

() الرقاق للبخاري» والجنة لمسلم 5

74

ذلك أن وعي الأذن درجات» وفقهها للدرر الربانية وإدراكها للجواهر الإلهية مستويات . وأذن الإمام علي بن أبي طالب عليه وآله السلام أوعى أذن عرفها الوجود. بعد أذن صاحب المقام المحمود عليه وآله الصلاة والسلام؛ حيث روك أنذ الما ترل فول فعار > طرق أن وري 4" يقال سول الله عسل الله عليه وآله وسلم 3 سألت الله عز وجل أن يجعلها أذنك يا على 6 قال علي. عليه السلام 3 ما نسيت شيئا بعد ذلك وما كان لي أن أنسى رلة

تأسيا بالقول الإلهي وبالسماع الكوني؛ لا يكون ما تسمعه النفس الناطقة المتعلمة المستفيدة من النفس الناطقة العالمة المفيدة ... . لا يكون ذلك السمع محمودا وذا فائدة إلا إذا تولد عنه وجد وعن ذلك الوجد وجودء أي انتقال من حال علمي معرفي إلى حال معرفي عملي أرقى .

ليس كل سامع بسميع» فمن لم يعرف الوجد طريقا إلى قلبه» ما عرف

. ١5 : الحاقة‎ )١( . 5١56 راجع ابن جرير في تفسيره (70,574). وكذلك أبونعيم في معرفة الصحابة ج ١ء ص‎ )1(

076

«قال عد اساي اد كن دم 0 ع ع زوب 7 د مدع م موءوم - كلت 23 كما 00 يثقون ويؤنوت الزكره

و لذن هش عَايِيِنا مون 722 [الأعراف ]١617:‏

اا

الكتابة الإلهية

اعلم وفقك الله أن الكتابة الإلهية أثر ظهر عن قول الباري جل ثناؤه. قوله تعالى إيجاده وإبداعه وانتهاء نفسه (بفتح الفاء) الرحموتي إلى أعيان الممكنات قصد إظهارها وإلباسها خلعة الوجود منة منه وكرما. إذا صدر ذلك الإيجاد والإبداع عن أمره تعالى يكون قولاء وإذا مضى الأمر نحو القدر المحتوم والمصير المسطر المعلوم» وظهر المبدع في المحل يكون كتابة .

فقوله تعالى إظهار كلامه؛ وكتابته ظهور قوله في المحل. وهيء أي الكتابة الإلهية؛ أثر ظهر عن قول الباري سبحانه : أثر حادث ظهر عن قول أقدم ملة .

الكون إذا من جهة الإبداع والإيجاد والإخراج من العدم هو قول الباري سبحانه » ومن جهة الظهور والوصول إلى المحل هو كتابة أمره تعالى .

الكون كتاب الله المنضود المسطورء. الظاهر المنشور» المبسوط غير المستور. خط بخط صنعه تعالى على يد قدرته» فكان كتابا مسطورا غير مستوراء منظورا منشورا في رق الوجودء على شاكلة الإنسان قلبا وقالباء وروحا وصورة ومثالا. فرق فيه الباري سبحانه ما جمعه في الإنسان» وجمع في الإنسان ما فرقه فيه. فالإنسان محل الجمع لما تفرق في الكون الكبيرء والكون محل تفريق لما جمع في الإنسان» الكون الصغير. وهو (الإنسان) بجسمه وقلبه

0/

وعقله وكافة أعضاءه الحسية والعقلية والروحية كونا صغيرا له ما للكون الكبير من أبعاد ونظم وتناسق وانسجام. فقالبه وشخصه مثال لما في الكون السفلي» وأوصافه وروحه وقلبه مثال لما في الكون العلوي. جعلت معرفة الحق تمر عبر معرفة الإنسان لنفسه.» حيث روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قوله : * من عرف نفسه فقد عرف ربه " . كما جعل الله الكون ظاهرا ميسوطا منظورا ليكون للمؤمنين معينا وهاديا ودليلاء وللجاحدين حجة عليهم» حيث قال تعالى : #سَْرِيِهِم َإيَينَا فى الْفَاقِ وف أَنفسِيمَ حَقّ لا فالحق لا يتبين إلا بإحدى النشأتين أو كلاهما ضار الخارح يعي انان او الكون» والنشأة الداخلية وهي الأنفس؛ لما فيهما من تشابه وتماثل . فبين الكون والإنسان وحدة في اتوي لعا أن لمر افق وبي ا والإنسان وحدة ة في الخلق تدل على أن الخالق واحد .

اعلم أيضا أن الإنسان الكامل على صورة الحق تعالى حيث ورد في الأثر قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ' خلق الله آدم على صورته " . إذا كان الإنسان (الكون الصغير) مثالا وشبها للكون (الكون الكبير) فإن الكون بارز أيضا على صورة المكونء. من كونه عالما به. وإذا كان الحق تعالى منبع الكمال والجمال؛ والقدرة والجلال» والكون المبدع صادر عن الحق تعالى» فليس في الإمكان أبدع ولا أكمل ولا أجمل من هذا الكون؛ إذ ليس أكمل من الحق تعالى .

كل شيء في الكون محكم بل غاية في الإحكام والإتقان لأنه إبداع الحكيم لابشا ل + . كل شيء في الكون جميلء بل غاية في الجمال والإبداع»ء جميل جمال الكمال الذي هو جمال الحكمة والإتقان .... كل مافي الكون خير محض لأن الشر لا يكون إلا في العدم المعدوم. فلو كان في الإمكان أكمل وأجمل من هذا الكون لكان هناك أكمل وأجمل من مبدعه وموجده ومكونه؛

. فصلت : "ام‎ )١(

وما ئمة مبدع إلا الله» ولا كامل بذاته إلا الله أو من كمَّلّهء ولا جميل إلا الله أو من جَمْلهء ولا موجد إلا الله . . . . ليس في الإمكان إظهار أكمل ولا أجمل عيذ كلهد:

رت كر ابيع تار جر كارن ماري يد قارنا إلا ألوهيته ويمين قلم اقتداره» وحخفظت في لوح حفظهء ونُشِرت في رق نشره . والكتابة أمر وجودى» والوجود لا بد أن يكون متناه؛ فالكون على ذلك كله مُبدّع متناه حادث محدود: 0 ولا في الأبد حكم . أثر عن قولء طصَنْمَ لَه لَذِىَ أَنمنَ كُلّ مَءٍ ِنَم نَم جَيرٌ يما تلوت 14"

كما لا علة في قول الله» فإنه لا آلة لكتابته تعالى .

ليست كتابته تعالى بالقلم الجسماني» ولا بالحبر المادي الجرماني» ولا على اللوح البدني. لا يجوز في حقها استغراق ولا روية» ولا انقطاع ولا ظرفية» بل لكتابته تعالى ثلاث مراتب أساسية: أولها الإبداع» وثانيها إلقاء لطائف حكمته وبيان كلمته في قلوب خاصته. وثالثها إظهار رحمته على المؤمنين والمسلمين ومَنْ شاءً مِمّْنْ مَنْ عَلَيهِ مِنَ المَحُلوقين.

الإبداع أول مراتب الكتابة الإلهية. أبدع الباري جل ثناؤه ما أبدع من سماوات وأرضين» وما فيهاء ومن فيها ممن علمنا وممن لم نعلم .... أبدع ذلك لا من شيء ولا بشيء ولا على مثال شيء» بل فطرة ودفعة واحدة بلا استغراق ولا روية»؛ بلا مدة ولا عدة؛ بلا رسم مثال ولا على منوال؛ بلا تعلق في الخيال ولا تردد في الأذهان» لا بجمع المواد وتركيبهاء ولا بترتيب الأشياء

0 كما جاء في قوله تعالى : لبَدِيمٌ اموت وَالْأَرْضٍ وَإِذَا فم تس آنا م نما كن يكن 9 وكذلك :#ابَدِيعٌ السَمَنوتٍ وَالْارضٍ أن يكن لم

2 النمل‎ )١( . ١١7 : البقرة‎ )(

م١‎

ره برصلا ول سر سرصم 20-7 وَل تكن لم مجه وَسَلقَ كل شوو وَهُوَ بَكُل شَىْءِ يع © 4 ''.

ثاني مراتب كتابته تعالى تتمثل في إلقاء لطائف حكمته وبيان معرفته ومعاني كلمته في قلوب الأنبياء والمرسلين» والأوصياء المنتجبين» والأولياء الصالحينء وعباده المؤمنين. أما في قلوب الأنبياء فبالوحي» وفي قلوب الأوصياء فبالإلهام مع العصمة» وفي قلوب الأولياء فبالفتح والتفهيم مع الحفظ. وفي قلوب المؤمنين فبالشرح والتسديد والهداية. وعن المؤمنين والصالحين يقول تعالى : «أوليك حكتب فى لويم يمن وَأَيََدَهُْم بروج 7

الكتابة من الله تعالى في قلوب عباده تكون دون واسطة .... هي نور يقذفه تعالى في قلب من يشاءء كيف يشاءء متى يشاءء وأين يشاء. والقلب الذي كتب الله فيه الإيمان؛ وأشرب أنوار التجلي ومكنون العرفان لا يتصور أن تصدر منه معصية تجبرا أو تكبراء إلحادا أو جحودا أو انتهاكا لحرمة الله. وإن حصلت معصية فإنها عادة تكون عن غفلة أو سهو أو فتور أو ضعف مؤقت .... تكون بحكم القدر النافذ والقضاء المبرم الذي لا يبدل ولا يحول؛ ذلك أنه لا ينجي حذر مع قدر. الزاني لا يزني وهو مؤمنء» والسارق لا يسرق وهو مؤمنء ذلك ما جاء في الأثر. الإيمان المكتوب في قلب العبد لا يمحى أبداء لأنه صادر من عين المنه ومنبع الجود. والإنسان ما كان يدري ما الإيمان. ولا يعلم ما البيانء ولا يدرك ما القرآن لولا أنوار الديانء وكتابتها فى ثارت اول الدنها كما تارادا الجاو وال قرام : #وَكَدّلِكَ أَرَحينآ إِلَكَ روعًا ئْنْ أمرنا مَا كت َدَرى مَا الْكتب ولا الاين ولكن بعلن نُورًا تَبدِى به من َسَلهُ مِنْ عِبَادِئا وَإِنَكَ لَدئ إِلّ مل قير 46" وكذلك : «أليَعمَنْ () عَلَم

. الأنعام لاا‎ )١( " : المجادلة‎ )*9( 7 زفرة الشورى ع لداع‎

م

لشُراد ) حَقَ لانن © عَلَمَهُ يان وم»”" .

المرتبة 00 وإظهار الرحمة على الناس اجمعين حيث يقول أحسن القائلين : اوَإذا جك الدرت يؤّمِنُونَ بِكَايِيَنَا فَقَلٌ سَلمُ سَلَعُ عي 2 رب عل نفَيِهِ ا نّم من عَيِلَ مِنَكُم سوا 0 شم تاب من بَمَدوء وَأَصَلَحَ َنم , عفر يحي < 4 .

أوجب الحق تعالى على جوده. بكمال منته وتمام كرمه وحسن عنايته» أن يرحم عباده أجمعين وخاصة منهم المؤمنين؛ فاخبن أن رحمته ميقت غضية و ا 0 :طقال عداو أَصِيبٌ بو مَنْ أكاء وَرَحْمَت وَسِعَتٌ َي فاخا لِلَدِنَ يَنَفُونَ ونؤنوت الرَحَر وَأَلَذِنَ هم كيين 74 ,

أوجب الله تعالى رحمته للعالم على نفسهء فصارت حقا عليه» لذلك طمأن عباده بأنها مكتوبة حيث قال : ' كتب ربكم على نفسه الرحمة ' ؛ فما ثمة في الوجود من عين ولا حال ولا أثر ولا رسم إلا شملته رحمة الحق تعالى؛ وأحاطت به»ء وكانت محلا له ووعاء لظهوره.

إذا أردت أن تلمس الكتاب المحسوس الذي بين صفحاته كمال الرحمة فعليك بالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلمء فإنه كما قال الحق تعالى في شأنه : «ومآ لكك إِلَّا ممه ليت 4©9.

ا ا ل ل شأنه الديان : لأنَّهُ أ أَرَلَ الْكتب يِلَلَىّ وَالْمِيين4”*. وإذا أردت أن يصلك

. 8-5١ : الرحمان‎ )١( . الأنعام : 8ه‎ )١( . ١65 : (؟) الأعراف‎ ٠ : الأنبياء‎ )5(

١ : الشورى‎ )6(

م

منه البيان؛ وتتعلم به العرفان» وترقى إلى الدرجات الحسان» فعليك بالرسول الأكرم خير الأنام» عليه وآله الصلاة والسلام؛ فإنه الترجمان والمعيار والميزان» فهو القائل : ' أنا مدينة العلم وعلي بابها" . هو النبراس الذي يواسطته يفرق الناس إلى فريقين» فريق في الجحيم وآخر في الجنان» ولا تنسى الباب» فإنه لا دخول ولا ولوجء ولا قبول ولا عروج إلا من قبل الباب. الكتابة عند الإنسان

إذا علمت أن القول زينة النفس الناطقة» وثمرة تحصيلهاء وسبب كمالهاء ومصدر سعادتها؛ وإذا عرفت أيضا أن الأقوال عند الإنسان مخرجها اللسان ومرماها الآذان» وهي (الأقوال) لطيفة إلى درجة أنها تضيع في الهواء وتنمحي آثارها بمجرد خروج العبارات من الأفواه. فلا مجال لحفظ ما يتولد عن الأفهام. وتقييد ما يرد إلى الأذهان» واستفادة النفس من العلوم والعرفان إلا بالكتابة . والكتابة نعمة من الحق تعالى أوجدها وأجراها بين الناس حتى تتقرر المعاني» وتستفيد النفوسء» وتتقدم العلوم» وتحفظ من الضياع والتلاشي. لتكون إرئا للآخرين من الأولين» وذخيرة للمتأخرين عن السابقين» فتنتقل المعارف والعلوم من مصر إلى مصرء ومن عصر إلى عصرء ومن قوم إلى قوم. وتستكمل النفوس» وتتطور البشرية» وتتقدم الإنسانية»؛ وتحصل غاية الله في أرضهء وتجري سنته في خلقه .

تعميما للفائدة» وحفظا للمعارف من الاندثار» حث الرسول المختار» صلى الله عليه وآله وسلمء على طلب العلوم وتقييدها بالكتابة حيث قال فيما معناه : ' قيدوا العلم بالكتابة ' .

لقد أحسن صاحب ' المعارف العقلية " أبو حامد الغزالي رضوان الله تعالى عليه؛ حين تطرق للقول والكتابة فقال : ' القول كتابة لطيفة. والكتابة قول كثيف. فإذا انتقل القول من اللسان إلى القلم ينوب البصر عن السمع .

/4

والبصر للمكتوب كالسمع للمقول والقلم للكتابة كاللسان للخطاب '

من شرف الكتابة أن الله سبحانه وتعالى جعل لها مكانة في عليين» وشأنا بين ملائكته العالين المقربين» وأقسم بها فقال سبحانه : تت وَلمَيَِ وما طروت ()4”''. ومن شرفها أيضا أن من الحق تعالى على خيرة خلقه؛ صلى

الله عليه وآله وسلمء بعلم اللوح والقلم.

إضافة إلى مهامها المعرفية التعليمية التثقيفية» فإن للكتابة أيضا 8 اجتماعية» اقتصادية» حضارية . . . . فبواسطتها يربط بين أصناف البشرء وبين طبقات المجتمعء لو ل الوق اه العالمء وبواسطتها تدون الصفقات وتبرم العقود : القلم الأعلى

اعلم أن القلم الأعلى يمثل العلة الغائية لعالم التدوين والتسطير وما فوقه وما تحته من العوالم» فلولاه لما كان للكتابة الإلهية أصل ولا وجودء ولولا الكتابة الإلهية لما كان لعالم التدوين والتسطير عين ولا أثر.

القلم الأعلى حقيقة سارية في الوجود من أقصاه إلى أدناه» ومن ظاهره ا ل عراس ارح وو را ا حقا وتحقيقا. فيه انتقشت الرقائق» ومن حقيقته انبعثت الحقائق» فهو مدار رحى الوجود وقطب فلكه . . . . هو مهبط أنوار الجبروت» ومحل أسرار الملكوت» ومجمع حقائق اللاهوت. ومنبع رقائق الناسوت. وظائفه عديدة؛ مقامه برزخيء منفعلاته لامتناهية . . . . من حيث هذا التعدد في الوظائف. وعدم تناهي المنفعلات» تعددت الأسماء.

حار في شأنه أهل الفطن» وتاه في أمره أصحاب الهمم : فهو القلم

١ : القلم‎ )١(

الأعلى» وهو العقل الأول؛ وهو الحقيقة المحمدية»؛ وهو الروح الأمين» وهو الإنسان الكامل . . . . هو كل ذلك وأكثر من ذلك . وما فوقه وما تحته من العوالم. ذو الهيمنة الروحية والمعرفية على كل ما دونه من الموجودات الحسية والروحية. انتقشت فيه بتجل خاص علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة .

هو العقل الأول الذي تفرعت عنه كل العقول الجزئية للموجودات». عقول الكواكب والشموس». والدواب والبشرء والننات واليحار 5

هو الحقيقة المحمدية المنفردة عن كل عين بمجموع من الحقائق والمعارف التي لم يطلع عليها سواها. الحقيقة السارية في جميع الأنبياء والمرسلين. والممدة إياهم بجميع شرائع الدين المعيرة : والتي كان آدم عليه السلام في بشريته أول تجلياتها المادية» والرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام» في بشريته أكمل وأفضل تجلياتها المادية .

هو الروح الأمين من حيث التصرف والتدبير وتفرع جميع الأرواح الجزئية للموجودات عنه.

هو روح الإنسان الكامل؛ حجة الله في أرضه والقائم له بأمرهء الذي لا تخلو منه الأرض في أي زمان» لكي لا تبطل حجج الله وبيناته. والذي لولاه لما حفظ للكون نظامء ولا أقيم للعدل ميزان» ولا أدخر للحق رجعة وتمام.

والقلم الأعلى يمثل في حد ذاته برزخا بين عالم الألوهية وعالم المعقولات الكلية» كما يتضمن جانبين متباينين : ظاهر وباطن. فهو من جانبه الباطن والذي يرتبط به بعالم الألوهية يتسم بالكمال ويتحد بالعلم الإلهي. حيث أعطي كل ضروب العلم الإلهي في الخلق مفصلة في إجمال. أما من جانبه الظاهر والذي يتصل بعالم المعقولات المنبعثة منه» فيتسم بقدر من النقص

ىم

والافتقار والعبودية إلى مبدعه وموجده. وإن كان على قمة هذا العالم وجودا وعلما. ذلك أن العلم الذي يتضمنه هذا الجانب هو العلم المتغير المرتبط بالموجودات» وهو العلم الذي يتجلى به ويكتبه في اللوح المحفوظ عن التبديل والتحريف . والقلم الأعلى فى هذا الجانب فى حاجة دائمة ومتجددة للتجليات الإلهية المستمرة لدوام هذا العلم . اللوح المحفوظ

اعلم أن اللوح المحفوظ أولى مراتب تجليات القلم الأعلى وأول منبعث

إذا كان القلم الأعلى يمثل من جهة العقل الأول الذي تفرعت عنه كل العقول الجزئية للموجودات» ومن جهة أخرى الروح الأمين الذي تفرعت عنه كل الأرواح الجزئية للموجودات» فإن اللوح المحفوظ يمثل النفس الكلية التي تفرعت عنها كل النفوس الجزئية المدبرة للصور في عالم الحس .

وإذا كان القلم الأعلى محل إجمال العلم الإلهيء فإن اللوح المحفوظ محل تفصيل ذلك العلم . .. . إذا كان القلم الأعلى من جانبه الباطن قد اتسم بالكمال من حيث اتحاده بالعلم الإلهي وانتقاش ذلك العلم المفصل في إجمال حقيقته» فإن اللوح المحفوظ يختص من العلوم بعلم ما يكون إلى يوم القيامة . العلم المنقوش في اللوح المحفوظ " نبذة من علم الله تعالى» أجراه الله على قانون الحكمة الإلهية حسب ما اقتضته حمائق الموجودات الخلقية. ولله علم وراء ذلك هو حسب ما تقتضيه الحقائق الحقية؛ برز على نمط اختراع القدرة في الوجود. . . . " كما يعبر الشيخ عبد الكريم الجيلي رضوان الله تعالى عليه 7" . الموجودات فيه انطباعا أصليا. لحقيقة اللوح المحفوظ طبيعة برزخية وجانبين

. دار الفكر‎ .٠١ راجع ' الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل ج؟» ص‎ )١(

ام

متباينين : أحدهما متصل بالقلم الأعلى حيث العلم الإلهي بما كان وما هو كائن وما يكون إلى يوم القيامة. والآخر هو في الحقيقة ظله الذي يمتد عنه مكونا ما يليه من المعقولات وهي الطبيعة. المحو والإثبات

اعلم يحفظك الحق ويرعاك أن القضاء الإلهي على شكلين : قضاء محكم وقضاء مبرم .

أما القضاء المحكم فهو القضاء الذي لا تغيير فيه ولا تبديل» وهو قوله جالن : #وَكانَ أمر أله قدا مَقَدُويَا2'”4 وكذلك لاما بِبَدَلُ الْقَولُ لَدَىَّ ومَآ أن يكم

تقد 49 انا القضاء المبرم فهو القضاء ء الذي يمكن فيه التغيير والتبديل؛

وهو قوله تعالى : #يمحوأ ‏ 72 ما مغك وَيث كه ألحجتب > ”.

والمحو هو نسخ إلهي بعد حكم في الثبوت أو في الوجود يرفعه الحق تعالى ويلغيه» هو في الأحكام انقضاء مدة الحكم وفي الأشياء انتهاء الأجل .

والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ظهر ليلة إسراءه ومعراجه لمستوى سمع فيه صريف الأقلام في الألواح. سمع أصوات الأقلام وهي تجري بما يحدثه الحق تعالى في الكون من أحكام وبما يجريه في خلقه . وتلك الأقلام رتبتها دون القلم الأعلى» والألواح التي تكتب فيها رتبتها دون اللوح المحفوظ. ذلك أن عندي ما كتبه القلم الأعلى في اللوح المحفوظ لا يتبدل ولا يتغير محفوظا إلا لحفظه من المحو والتبديل .

إن هناك أقلاما دون القلم الأعلى وألواحا دون اللوح المحفوظ. وهي

. ”8 : الأحزاب‎ )١( (؟)ق :8؟.‎ 4 : الرعد‎ )©(

ألواح المحو والإثبات. كل قلم كاتب هو ملك كريم على الله تعالى» لا يكتب في ألواح المحو والإثبات إلا على قدر ما تأتي به إليهم رسل الله من عند الله من رأس الديوان» وهو القلم الأعلى» من إثبات أو محو. والموكل بالمحو ملك كريم على الله تعالى هو الذي يمحو على حسب ما يأمر به الحق تعالى ويمليه عليه. ومما خطت تلك الأقلام من أحكام؛ ومما دون وسطر في ألواح المحو والإثبات نزلت الشرائع الإلهية في شكل صحف وكتب سماوية على الرسل الكرام صلوات الله تعالى وسلامه عليهم. لهذا دخل حكم النسخ في الشرائع الإلهية» فصارت الشريعة المتأخرة تنسخ ما سبقتها من الشرائع المتقدمة؛ كما نسخت مثلا الشريعة العيسوية الشريعة الموسوية . . . . وتواصل النسخ في الشرائع إلى أن اكتمل الدين الرباني؛ وتمت الشريعة الإلهية بظهور الشريعة المحمدية القرانية وهيمنتها على جميع الشرائع السابقة لهاء فقفلت باب النسخ في الشرائع . كذلك دخل نسخ الأحكام في الشريعة الواحدة» يقول الحق تعالى: لاما تَنَمّ يِنّ َايَةٍ أو نُنِهَا دَأتِ عِمَيرٍ يتآ أو يلها أل ملم أن أله عل كل تدم يك ج20

واعلم أيضا أن لبابة المخلوقات وزبدة الموجودات مضغة في الفؤاد أوسع من الأراضين والسماوات تسمى قلبا. سمى قلب الإنسان بالقلب لأنه يتقلب؛ ولهذا القلب المتقلب وجهين ظاهر وباطن .

أما باطنه فمحفوظ من المحوء لا يقبل محوا ولا تبديلاء بل هو فطرة أصلية» وثبات محضء وطبيعة حقيقية . . . . باطنه بيت الله المعمور في الإنسانء ومحل التقاط أنوار الديان وواردات المنان. وأما ظاهره فلوح محو وإثبات يتأرجح بين ظلمة الخاطر ونور الوارد . . . . بين الهزم والعزم .... بين الوهم والهمة ....

. ١٠١5 : البقرة‎ )١(

د

من حقيقة المحو والإثبات برز التردد في الأمور عند الإنسان» والحيرة في الأعمال والأفعال» فما دام الإنسان مصغ لخواطره مهتم بها. محجوب عن الأنوار الربانية والكشوفات الإلهية» فهو في تأرجح دائم وتردد مستمر بين المحو والإثبات. فإذا أيد بالعصمة إن كان نبيا أو وصياء أو بالحفظ إن كان ولياء عاد قلبه محفوظا عن كل محو .

أحيوا العرب لثلاث» لأني عربي» ولأن القرآن عربيء ولأن كلام أهل الجنة عربي '

515

اللغة الإلهية واللفة الإنسانية

اعلم يحفظك الله ويرعاك أن اللغة» أي لغة كانت» لا تعدو أن تكون خاص . إذا كانت كلمات الحق تعالى أعيان الممكنات وأصل الموجودات» وإذا شكلت اللغة الإطار الجامع لمجموع الكلمات» فإن اللغة الإلهية الإطار الجامع لجميع الموجودات ... . هي لا شيء سوى الوجود الحاوي لكل موجود. والعاكس لجميع الحقائق .

كلمات الله تعالى هى الموجودات» والموجودات هي كلمات الله تكونت عن حروف»ء ورت التعررق عن امراف وصدر الهواء عن النفس (بفتح الفاء). فأصل اللغة الإلهية كلمات الحق تعالى؛ وأصل الكلمات الإلهية حروف الحق تعالى» وأصل الحروف الإلهية النفس الرحماني. فكما أن أنفاسه تعالى لا يحصيها عدد ولا يسعها حد ولا تحتاج إلى مدد. فكلماته تعالى المجموعة في اللغة الإلهية لا تتناهى مصداقا لقول الحق سبحانه: «وَلَو أَنَما فى لْايْضٍ من مسَجَرَوَ قله وَالبحرٌ بِمِدُمُ مِنْ بسْدِو. سَبَِعَةُ أبخر ما تَقِدَتَ كِمنت أله إن له عد حك 107 . وكذلك قوله جل وعلا: قل لو كان الحَرُ هِدَادًا لكت

َِقِ لد ارُ هَلَ أن تعد كلت وَقِ َلَو جنا بيفلوء مدا (9©) 74" .

والحروف الإلهية في حقيقتها أرواح طاهرة وملائكة كرام تسمت بأسماء هذه الحروف. كل حرف رامز لملك كريم» ووراء كل ملك ديوان من حواشي () لقمان :لاا . () الكهف : 4

١

وجنود وأعوان. لكل عون مقام معلوم وعهد مبروم وعمل موكول وهدف مرسوم. لكل حرف تسبيح وتمجيد وتهليل وتحميد وتكبير يعظم به مبدعه. ويقدس به خالقه ومظهرهء وروحانيته لا تفارقه. ما حروف اللغة الإنسانية اللفظية أو الرقمية أو الخيالية إلا أجساد لأرواح ملائكية» وصور وأشكال لها لفظا وخطا. بهذه الأرواح الزكية تعمل الحروف الإلهية وتحفظ مراتب الوجود. وتحرس الأسماء الإلهية لا بذواتها ولا بصورها المحسوسة للسمع وللبصر والمتصورة في الخيال والمنتقشة في الذهن .

تتوازى مراتب الوجود مع الأسماء الإلهية مع حروف اللغة العربية؛ ثماني وعشرين مرتبة وجودية» من مرتبة العقل الأول وهو القلم الأعلى ثم النفس وهو اللوح المحفوظ إلى مرتبة الجن ثم البشر مرورا بمراتب الكواكب والسماوات والأركان . . . . توازي ثمانى وعشرين اسما من البديع ثم الباعث إلى بقية الأسماء الأخرى . . . . توازي بدورها ثمانية وعشرين حرفا من حروف اللغة من الهاء ثم الألف إلى الميم ثم الواو مرورا بباقي الحروف.

الحروف الإلهية باطن الأسماء وباطن مراتب الوجود في نفس الوقت». والأسماء ومراتب الوجود ظاهر هذه الأرواح الحروف.

أما عن علاقة اللغة الإلهية باللغة الإنسانية المتلفظ بها والمكتوبة فهي علاقة الظاهر بالباطن» والروحانى بالجسمانىي» والغيبى بالشهادتي. ذلك أن الظاهر هو غطاء الباطن ومستوره والسبيل الأوحد إليه؛ كما أنه لا ظهور ولا بيان للباطن إلا من خلال الظاهر. كلاهما ضروري للآخر.

ليست اللغة الإنسانية إذا إلا أجساد للحروف الإلهية الأرواح» وصورها

الظاهرة . . . . ليست إلا ظاهرا حسيا ماديا للغة الإلهية. وإذا كانت اللغة الإلهية تمثل من جانب آخر الباطن الروحي لمراتب الوجودهء فإن اللغة الإنسانية تشكل كذلك الظاهر الحسى لهذه المراتب :

51

والإنسان الخليفة هو المعهود إليه نيابة مناب الحق سبحانه في إخراج الكلمات إلى عالم الحس وذلك بالتلفظ ؛ أما سمعت قوله تعالى : #وَإِنْ أَحَد ين لْمتْرِكِنَ أسْتَجَارَكَ بره حَقٌّ يسْمَمْ كلم أن 24. سمى الحق سبحانه وتعالى قراءة القارئ للقرآن كلام الله لأن القارئ في مقام الخليفة النائب الذي ينوب عن الحق تعالى في إظهار كلماته في شكلها الملفوظ . وبالرغم من نيابة الإنسان واستخلافه لإظهار كلمات الله تعالى فى شكلها الملفوظ إلا أنه لا غنى له عن ليود انه حيية روني القاننه مكمه لاا لاق رجلا قا انعفد المدرو فك والكلمات من الحق تعالى» أو من النفس الرحماني.

والإنسان في حد ذاته وفي مقابل ذلك جملة حرفية أو كلمة إلهية من كلانه قدالى جردي قن كله إلوية لاق ل توجوقية وصعرن 0 اانه كللمة جامعة. كلمة قادرة. بحكم جامعيتهاء على فهم وإدراك كلمات الحق تعالى . وهذه القدرة على الفهم وعلى الإدراك هي التي يستطيع بواسطتها أصحاب الفهم عن الله وحدهم تجاوز إطار اللغة العرفية الإصطلاحية والنفاذ إلى باطن اللغة في جانبها الإلهي الوجودي المعرفي.

إن العلاقة بين الألفاظ والمعاني أو بين الدال والمدلول في اللغة الإنسانية المتلفظ بها أو المكتوبة» علاقة عر اتفاقية وضعية. وإذا كانت دلالة اللغة الإنسانية دلالة عرفية وضعية اتفاقية» فإن دلالة اللغة الإلهية بكلماتها الربانية غير قائمة على العرف ولا على الوضع ولا على الاتفاق بل مستندة إلى أعيانها الثابتة المستقرة منذ القدم في علم الح سبحانه وتعالى.

إن إحداث المعنى في قرارة الإنسان بمجرد إلقاء القول ليس ناتج عن التأليف الوضعي للكلمة» بل عن تأثير باطني وتفاعل داخلي لروحانية الكلمة في

. "5 التوبة:‎ )١(

56

ومحبة ورأفة ورفق وتضحية . . . . ما كان ذلك نتيجة للصورة المخصوصة للكلمة ولا للاقتران الوضعي لحرفي الألف والميم» بل نتيجة من نتائج التأثير الروحاني لأحرف هذه الكلمة في روحانية الإنسان. فالكلمة بأعيانها أعطت العلم والإحساس والمشاعر التي لا تتبدل» لا بصورتها الموضوعة المخصوصة. وقس على ذلك التأثيرات لجميع الكلمات التي من الممكن أن تنطوي عليها اللغة الإنسانية .

إذا كانت حروف اللغة الإنسانية اللفظية والرقمية والخيالية أجساد لأرواح ملائكية مطهرة هي حروف اللغة الإلهية الحافظة لمراتب الوجود وللأسماء الإلهية ... . إذا كان ذلك كذلك فمن البديهي أن ينتفي التعارض بين وضعة الدلالة في اللغة الإنسانية وذاتية العلاقة بين الدال والمدلول في اللغة الإلهية ''".

ولما كانت ثنائية الظاهر والباطن في علاقة اللغة الإنسانية باللغة الإلهية غير قائمة على تعارض وجودي». فإن قيام الدلالة في اللغة الإنسانية على الوضع الجانب الباطن للظاهر.

هذا التعارض الوهمي بين الظاهر والباطن لا يمكن أن يكون سوى ثمرة من ثمرات تعارض معرفي بالأساس» ولن يزيله نهائيا سوى حجة الله في أرضهء القائم بأمره المدخر لإظهار المستور ولتأويل المنزل» ولإعادة المسلوب ولورجاع المغضوب .... القادر على فهم الدلالات الحقيقية للكلمات الإلهية على مستوياتها المختلفة . . . . الوجودية والمعرفية . واللغوية عامة» والنصية القرانية خاصة .

والقرآن الكريم كتاب الحق تعالى المقروء المحتوي على كلماته التامات

)١(‏ راجع * فلسفة التأويل . دراسة في تأويل القرآن عند محي الدين بن عربي '". نصر حامد أبو زيد, المركز الثقافي العربي.

4

المحيطة بكل الوجود والرامزة لكل موجود. إذا كان الإنسان بدوره كون جامع صغير اجتمعت فيه كل حقائق الوجودء فإن كلمات القرآن الكريم توازي أيضا الإنسان وترمز إلى حقائقه. وإذا كان الإنسان بدوره برزخ جامع بين الحق والخلقء أو بين واجب الوجود وظاهر الوجود؛ فإن القرآن بالمثل برزخ بين الحق والإنسان. فالقرآن الكريم إذن مواز للوجود ومواز للإنسان في نفس الوقت» وهو كالوجود وكالإنسان مشتمل على وجهين : جانب باطن مميز بالكلية وبالجمعية من حيث هو قرآن جامع ظهر أحدي العين ونزل على قلب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ولا يزال يتنزل متجددا على قلوب الأوصياء والعارفين» والأتقياء والصالحين» وجانب ظاهر من حيث قراءته وتلاوته باللسان وتحويله إلى أصوات وأقوال.

من هذا المنظار يكون للغة الإلهية وجه إلى القدم ووجه إلى الإلهي. وهي محدثة من حيث ظهور تلك الكلمات وما يوازيها في أعيان صور الوجود.

والقرآن الكريم تماما كاللغة الإلهية قديم ‏ محدث : قديم من حيث وجوده في العلم الإلهي القديم. ومحدث من حيث تنزله جديدا متجددا على قلوب الأنبياء والمرسلين والأوصياء والصالحين وظهوره على ألسنتهم .

القرآن كالوجود وكالإنسان جامع للحدوث والقدم» وقارن للظاهر ولما بطن. اجتمعت فيه كل الحقائق الإلهية وجميع الرقائق الوجودية وكل الأسرار الربانية .

الوجود بمراتبه ومستوياته المختلفة. والإنسان بأسراره العديدة المتعددة جديدا لموازاة القرآن بالوجود وبالإنسان.

57

اعلم أيضا أن مراتب الوجود تماما كدرجات النفس في الإنسان تنتقل من الصماء والنورانية إلى الكثافة والظلمانية. وبنمس القدر تترتب حروف اللغة في جهاز القول الإنسانى بدءا من الحروف الحلقية ذات التحرر الكامل في الهواء

اللغة في حد ذاتها منحة من المنان إلى الإنسان وهبه إياها من عين الجود الإلهي ومن حقيقة النفس (بالفتح) الرحماني الذي هو الروح الإنساني . لذلك جعل الحق سبحانه التلفظ بالأقوال على أتم الوجود في الإنسان. حيث جعل له تعالى ثمانية وعشرين مقطعا في النفس». كل مقطع يظهر حرفا خاصا يتميز به عن غيره من المقاطع. فعين الحروف واحدة من حيث أنها نفس وظاهرها المسموع كثيرة من حيث المقاطع . وجعلها الحق تعالى ثمانية وعشرين مرتبة متدرج من اللطافة إلى الكثافة ومن النورانية إلى الظلمانية ؛ موجوداته جوالة سيارة في أماكن الأفلاك ومنازلها وبروجها كأمكنة المخارج للنفس .

للحرف إذن أسرار عميقة ورقائق دقيقة» وللكلمات رموز وجودية ومعرفية» وللغة أبعاد تركيبية وصوتية ودلالية. والسالك العارف في عروجه إلى الحق تعالى عليه أن يتجاوز الحرف والمحروف, الكلمة والعبارة» اللغة والمعنى .... يتجاوز كل ذلك بالرغم من قدسية ذلك وأهمية ذلك . . . . يتجاوز ليعبر إلى مبدع الحرف والمحروفء. وفاطر الكلمة والعبارة» ومنشأ اللغة والمعنى. يقول الحق سبحانه وتعالى للعارف المتجرد الخارج من علمه وعمله .... من صفته ونفسه . . . . من غريزته وشهوته . . . . من حوله وطوله . . . . المدبر على الأغيارء المقبل على الجبارء المستعد للدخول إلى حضرة الكبير المتعال .... يقول لهء كما جاء فى التحفة الخالدة " المواقف والعبارات ' للعارف للك ارح ممه رن عد لجنا رأ اللترى :وهو لالت على طله ”1 بول 40 *

() راجع أيضا 3 رأيت الله " لمصطفي محمود. دار العودة. بير وت .

1/6

لو وقفت عند الحروف واستهوتك أسرارها واشتغلت بطلاسمها لتتسلط على الناس كتبتك من السحرة الذين لا يفلحون ومن عباد الحرف الذين أشركوا بي وعبدوا الحرف من دوني وطلبوا الاسم من دوني .

إطلاعي لك على سر الحروف هو البلاء كل البلاء .

تعرف سر الحروف وأنت في بشريتك يختبل عقلك .

تعرف سر الأسماء وأنت في بشريتك يختبل قلبك .

يا عبد لا إذن لك ثم لا إذن لك ثم سبعون مرة لا إذن لك أن تبوح بما استودعتك من أسرار حروفي وأسمائي ل ولا كيف تدخل إلى خزانتي ولا كيف تقتبس من الحرف حرفا بعزتي وجبروتي . . . . ولا كيف تراني ' اللغة العربية

اعلم أن اللغة الإنسانية منحة ربانية وهبها الحق تعالى للبشرية» وتمثل نظام من الأدلة المعبر عن الأفكار النطقية التى ترد على النفس الإنسانية. ما اللفظ إلا انعكاس للمعنى في الذهن. وما اللغة الإنسانية إلا جسر من بين الجسور الرابطة عالم الفكر والمعاني بعالم الحس والشهادة. هي (اللغة) مرآة أو ترجمان للفكرة تخرجها من عالمها وتنقلها إلى عالم الحس . اللغة انعكاس للفكر ووسيلة من وسائل التفكير» بدونها تبقى الفكرة أسيرة في عالمهاء سجينة

كل أمة تفكر كما تتكلم ... .

لكل أمة قاموس خاص بهاء أي مجموعة مصطلحات تحدد بها هويتها الحضارية» وتكشف بها عن قيمتها الذاتية» وتعبر بها عن رؤاها الخاصة لطبيعة العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان» وبين الإنسان وكل من الله والكون والحياة. وهذا القاموس تجري عليه سنن العالم الحسي» فيبرز للوجود حين تبعث الأمة

14

ويتجذر في كيانها مع ازدهار حركة فكرها؛ ثم إنه ينمو مع نمو حضارتهاء فيبلغ أشده ويعرف ربيع عنفوانه عند ازدهار الحضارة» ثم يهرم ويشيخ بانحطاطها. فيفقد إشعاعه. ويضيع ويتلاشى محتواه بجمود حركة الفكر والتعمير» وركود حركة الاجتهاد والتجديد.

والأمة المغلوبة حضارياء المتقاعسة فكرياء تقتبس مرغمة وتحت وطأة الهيمنة والتبعية والتقليد» من الأمة الغالبة بعض المفاهيم الدخيلة والألفاظ الغريبة عن قاموسهاء أو تسعى إلى تغيير معاني بعض المصطلحات الأصيلة لتواجه زحف مفاهيم دخيلة نادت بها الحضارة المهيمنة .

يوجد حاليا بضعة آلاف (حوالي سبعة آلاف) لغة منتشرة بين الناس يمكن جمعها بين ١5‏ إلى ٠١‏ أسرة كبيرة ''2. واللغة العربية على رأس جميع اللغات. وأفضلهم بنيويا ودلاليا ورمزياء وتركيبيا ووجوديا ومعرفيا ....

اللغة العربية فى أصلها لغة القرآن» تستمد سموها وعظمتها وتعاليها من

هي لغة ملهمة, لا دخل للعقل البشري ولا للطاقة الإنسانية في استنباطهاء ألهمها الحق تعالى سيدنا إسماعيل عليه السلام. فقد ورد للشيرازي في الألقاب عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أن الرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام قال: " أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل» وهو ابن أربع عشرة سنة' .

هي لغة جامعة المعاني» دقيقة التعبير»ء محكمة التركيب» لأنها لغة تكلم بها سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم؛ الذي روي عنه أنه قال : :. أوتيت جوامع الكلم ' .

)ع0( راجع مجلة ' الثقافة العالمية ' عدد #لاء» ستمبر ك0 ]| .

٠٠٠

هى لغة بيان»ء حيث قال فى شأنها الديان سبحانه :

وقد تمَلَمْ أَنَهُم يَقُولُوت إنّمَا يمَنَمُمٌ مَمَرٌ ناث الْذِى بُلْحِدُوت إِلَنْهِ أَعْجَيِىّ وَهَددًا لِسَانُ رت ميت 4 .

دَيهٌ كيل مب الكل © نآ بد زن انين عل قَبِكَ بتكن من اال > صيص لسر مم سه 2 حع دادع 1 عر مروة + جبجه ( السَزيت 69 يسان عرو بين () وَلِنّمِ لنى زبرٍ الأولِيَ © ش

هي لغة عقل» إذ أشار إليها تعالى في قوله :

«الر لك ليث الكتب آلبِينِ 6 إنَآ رلته فنا عَرَبيًا لَمَلَكم يرت (4".

«إنا جَمَلَهُ ّنا عرييا ملّحكُمْ تنقرت )4 .

وهي لغة علم حيث قال تعالى :

(كتبُ لت مم ءانا عر مدر يَتلمُونَ رهم »0

هي لغة أهل الجنة» حبها وحب الأصل العربي أمر مرغوب فيه؛ فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " أحبوا العرب لثلاث» لأني عريي؟؛ ولأن القرآن عربي. ولأن كلام أهل الجنة عربي ' .

إن اللغة كالكائن الحي» تخلق وتنمو وتزدهر ثم تتدهور وتموت وتتلاشى. ويمثل تقهقر اللغة العربية في عصور الانحطاط والظلامية هذمى وتراجع مكانتها أمام اللغات الأخرى مظهرا من مظاهر تخلف المسلمين )١(‏ النحل : ١٠١”‏ . (؟) الشعراء : ١95191‏ . (') يوسف : 7531١‏ .

(8) الزرخرف : . (4) فصلت : "” .

السريع للتحولات المجتمعاتية؛ حتى أضحت قاصرة عن تتبع مجتمع العلم والتكنولوجياء وعاجزة عن مواكبة روح العصرء هذا التراجع اللغوي لا يعود إلى عجز ذاتي في اللغة العربية» بل يعكس تراجع المسلمين وانحطاطهم وتدهور أحوالهم. كان انحطاط الأمة الإسلامية شاملا : روحياء فكرياء عقائدياء سلوكياء اقتصاديا . . . . وكذلك لغويا. كما أن غلق باب الاجتهاد وتجميد حياة الفكرء منذ قرونء كان مصدرا للعديد من الماسي وسببا في خلق عقلية الجمودء ونفسية الركود» وسلوك التقوقع ؛ فانعكس ذلك سلبا على اللغة العربية لتصبح لغة مجتمع وعبادة» تجتر ألفاظهاء وتعيد تراكيبهاء وتكرر تعابيرها .

الرسالة المحمدية

اعلم هداك الحق إليه واجتباك ونور عقلك وشرح صدرك ورعاكء أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أول الرسل خلقا روحانياء نورانيا وباطناء وآخرهم بعثا جسديا ظاهرا. هو صلى الله عليه وآله وسلم الأول خلقا والآخر مبعثاء الأكمل صورة والأتم نشأة. . . . خلقه الحق سبحانه وتعالى من كماله وجعله مظهرا لجلاله وجماله. . . . من حقيقته انفعلت الحقائق ومن روحانيته زودت الخلائق. يقول الحق تعالى فى شأن رسالته : #ومآ أَرْسَلَكَ إل كَانَه ّن دما زرا ويم كر لدي لا يلوت 274. كلمة ' كافة للناس ' في الاية الكريمة تحمل في طياتها إطلاقا زمانيا ومكانيا للرسالة المحمدية» وهذا الإطلاق نجده في آية قرآنية مشابهة حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : وما أَيَسَألَك إل َحَهٌ علي ©©4”". ففي لفظ 'العالمين' كذلك إطلاق زماني ومكاني وجنسي . الرحمة المنبثئقة من رسالته صلى الله عليه وآله وسلم عامة لكل المخلوقات؛ صالحة في كل مكان من آدم إلى يوم الدين. هو عليه واله الصلاة والسلام باب رحمة ووسيلة نجاة وإمداد خير.

ورد في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين " . . . . ما قال * كنت بشرا ' أو " كنت إنسيا" » وما

(1) هنا 8 .. (؟) الأنيياء : /1 379١‏ .

النبوة إلا مرافقة لشريعة من قبل الحق تعالى . فكأني به صلى الله عليه وآله وسلم يقول كنت صاحب شريعة ربانية» أو كانت لي شريعة ربانية وآدم لم يسوى بعد

بشرا .

لقد عرفه ربه بنبوته وأطلعه على شريعته وبشره بها قبل بعث الأنبياء عليهم السلام. كانت روحه الطاهرة وأنفاسه الزكية هي الممدة لجميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام قبل بعثته بالجسد» وهي مازالت وستظل تمد بالأنوار جميع الأئمة والوارثين. فكل الرسل عليهم السلام نواب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأعوانه؛ والشريعة التي جاء بها كل واحد منهم جزء من الشريعة المحمدية .

كان الحكم لمحمد عليه وآله الصلاة والسلام باطنا أولا في جميع ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل عليهم السلام؛ وقد أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى مقامه هذا في عدة أحاديث منها قوله : ' آدم فمن دونه تحت لوائي '». وكذلك قوله : ' والله لو كان موسى حيا لما وسعه إلا أن

كان الحكم في البداية باطنا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن انتقل فعل الزمان في جريانه من الاسم الباطن إلى الاسم الظاهر في حقه عليه وآله الصلاة والسلامء فظهر محمد بذاته جسدا طاهرا ونفسا زكية وروحا شريفة . كما ورد في الحديث الشريف : " إن الزمان استدار كهيئته يوم خلقه الله " .

انتهت دورة الزمان بالاسم الباطن فاستدار مظهرا بالاسم الظاهر خير خلق الله. ومكملا أكمل شرائع الله ومتمما نعمته على خير أمم الله.

لما ظهر صلى الله عليه وآله وسلم في عالم الحس لم يبق حكما لنائب

من نوابه ولا دعوة لعون من أعوانه» فأثبت من أجزاء شريعته المتقدمة على أيدي نوابه وأعوانه ما شاء بإذن ربه ومُرسِلّة» ونسخ ما شاء بإذن ربه ومُرسِلّة . نسخه

لشرائع المتقدمين من أعوانه ونوابه الرسل عليهم السلام لا ينفي كون شرائعهم هي عينها جزء من شريعته المحمدية. فظاهرة النسخ والمنسوخ ليست شيئا غريبا؛ ذلك أن القرآن الكريم والسنة المطهرة» وهما شرعه الظاهر صلى الله عليه وآله وسلم يحتويان على أحكام متقدمة نسختها أخرى متأخرة» يقول الحق تعالى : لاما تَنَحْ ين َايَةْ أو ثُنِِهَا تأتِ عَيْرٍ ينآ أو يفلها ألم تَلَمْ أن أله عَلَ كل شئو مدي )4 . لعل ذلك تنبيها لنا نحن الغافلين على أن نسخه لشرائع الأنبياء السابقين لا يخرجها عن كونها شرعا له صلى الله عليه وآله وسلم .

أخذ الحق عز وجل ميثاق النبيين عليهم السلام بأن يكونوا جنودا تحت لواء محمد صلى الله عليه وآله وسلم يؤمنون به وينصرونه» كان ذلك في عالم الذر قبل النشأة الدنيوية حيث قال تعالى : لوَإِدْ أَحَدَ ألَّهُ سِيِكَقَ اليِّيِحنَ لمآ

رغ شاه جح العمل ديه سر رم لو فد جرال لله دل لسك شه يي ءات من حكتاب وحكمتر ثم جاءحكم رسو مَصَرق لما معكم للَووِئنٌ بوء

م

مك طرخ يك مالتاعيدء سك ويه مم جرعش ل ا ل ا 00 ولتنصربهٍ وال 6أفررتم وَأَحْذتم علل ذليِكم إِصرى قالوا أفررنا قال َأَشْبَدُوأ وأنأ معكم من سبي 74" .

وإن كنا لا نفرق بين أحد من رسل الله؛ فجميعهم مرسل من قبل العزيز الحكيم. إلا أن الله عز وجل فضل بعض الرسل على بعض ورفع بعضهم فوق بعض زَلْكَ اسل مََلنَا بنصَهُمْ عل بَعض مِنْهُم من كلم الَهُ ورم بَنْصَهُمْ دَرَجَتٍ 74"؛ فمن الرسل من علمه الله الأسماء كلها تعليماء ومنهم من اتخذه خليلاء ومنهم من أعطاه ملكا عظيماء ومنهم من ألان له الحديد وسخر له المسخرات تسخيراء ومنهم من كلمه تكليماء ومنهم من أيده بروح القدس تأبيدا .... وجعل محمدا سيد جميع الأنبياء والمرسلين» يقول الناظم رضوان الله تعالى عليه :

. ١٠١5 : البقرة‎ )١( . : (؟) آل عمران‎ . 587 : (؟) البقرة‎

١ /ا.‎

' فاق النبيين في خلق وفي خلق ولم يدانوه في علم ولا كرم وواقفونلديهعند حدهم من نقطة العلم أو من شكلة الحكه "7"

القرآن الكريم كتاب الله المنزل على الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلمء تنزلت فيه الحقائق الإلهية؛ وحملت أسطره الشريعة المحمدية الخالدة والدين الإسلامي الذي كمله الله وأتمه وارتضاه لأمة أحب خلقه؛. حيث قال جل ثنازه : الوم عملت لك ديك ومنت لم يمت وَرَضِيتُ لك الم يا 74" .

القرآن الكريم كتاب جامع محفوظ ومهيمن : هو جامع لأنه تضمن ما جاء في الكتب السابقة من صحيح الشرائع والأحكام. ناسخ لبعضهاء مبق على البعض الآخر ومضيف لأحكام أخرى؛ هو محفوظ من كل تبديل وتحريف وتزوير ومن كل باطل» يقول الحق تعالى : 8 إنَا حَحَنُ نَرَلنَا أَلذّكْرَ وَإِنَا لم تفظوت 4 '" ركذلك : وٌَرَإنَمَ لكتبٌ عَررٌ (7) لا ييه لتيل من َب يَدَيهِ ولا من لفو يِل يَنْ حَكبر حيو (46*'؛ وهو مهيمن على جميع الكتب الأخرى لقول الحق تعالى في شأنه : لوَآَرْلَ إلِكَ الكتب يلح مُصَدْكَا لَمَا بيت يديد من

مرمس سس سمه .يو

لصحتب وَمُهَيِيِنًا عَلنْهِ فأححكم بينهم بما أَنَزْلَ أنَّهُ وَلَا مَيمِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمّا جَآءَك مِنَ َلْحَقَ 4”*': هيمنته تكمن فى شهادته على الكتب الأخرى .

الشريعة المحمدية مهيمنة إذن على جميع الشرائع الأخرى من حيث وظيفتها الشهادتية وتمامها وكمالها وحفظها من كل باطل وصونها من كل تحريف وتزوير.

)١(‏ عن قصيدة " البردة ' للشيخ شرف الدين البصيري رحمه الله. () المائدة: .

() الحجر:ة .

. 5-5١ : فصلت‎ )#(

(5) المائدة : .

ل

لكي تكون الشريعة الإسلامية شريعة العالمين» شريعة الناس كافة» ولكي تظل خالدة صالحة لكل زمان ومكان ومواكبة لكل تطورء ملبية لكل حاجة. متماشية مع كل عصر . . . . لكي تظل كذلك ضمنها الحق تعالى شروط ديمومة فاعليتها وأسرار بقائها وأسباب تجددها. من بين تلك الأسرار والأسباب أن جعل الحق سبحانه منهج الإسلام مقيما لحوار رباعي الأبعاد بين كل من الله والإنسان والكون.

لقد أقام الإسلام حوارا بين الله والإنسان . . . . بين الإنسان والإنسان .... بين الله والكون .... وبين الإنسان والكون.

أما الحوار الذي بين الله والإنسان فيكمن فى الاجتهادء وأما الذي بين الإنسان والإنسان فيتمثل في التجديد بمعناه الواسع» والحوار الذي بين الله والكون فيكمن في التسخيرء والحوار الذي بين الإنسان والكون يتمثل في الخلافة أو الاستخلاف.

متى أقيم ذلك الحوار بأبعاده المختلفة وبشروطه المتعددة فإن الإسلام يظل حيا مشعا نابضاء ذا فاعلية, حاملا بين جنبيه لطاقة تجديدية. وصاحب دور مبدع خلاق في تجديد الحياة الإنسانية . وإن عطل الحوار واختلت موازين معاملاته»؛ ضاعت تلك الطاقة وفقد الإسلام روحه» وتقلص إشعاعه » وانعدمت فاعليته» وتجاوزته الأحداث والحياة» وأصبح تراثا ماضويا مسلوب القدرة على الفعل والتغيير. الحوار الذي بين الله والإنسان : الاجتهاد

اعلم يحفظك الله أن الاجتهاد هو بذل غاية الجهد»ء واستفراغ غاية الوسع في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها ''“. هو أصل من أصول الدين

»56 راجع حوار مع الشيخ يوسف القرضاوي حول " الاجتهاد والتجديد '. مجلة الأمة؛ العدد‎ )١( . ١9885 السنة 4. حزيران‎

٠.6

التي تثبت حيوية الإسلام وقدرته على إيجاد الحلول المناسبة لمشكلات الحياة المتجددة والمتشعبة» والتي تضمن للإسلام ديمومة فاعليته» وتواصل إشعاعه: وتألق حضوره» ومواكبته لكل تطورء وتلبيته لكل حاجة» وتماشيه مع كل عصر ومصر. بدأ الاجتهاد منذ عهد الرسول الأمجد صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد في قصة ' صلاة العصر في بني قريضة ' مثلا أو في حديث معاذ رضي الله تعالى عنه حين أرسله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن» وسيظل بابه مفتوحا لا يملك أحدا إغلاقه بعد أن فتحه الرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام. ذلك أن الإسلام دين تام كامل شافء فيه لكل عقدة حل ولكل داء دواء» وأن الإنسان بنطقه وكلامه وقوله وكتابته وبطبيعته العميقة التي تتجلى فيها أسماء الله الحسنى» مؤهل للقيام بالعملية الاجتهادية على أحسن ا ولإقامة هذا الحوار على أتم صورة .

اعلم أيضا أن الشريعة الإسلامية تشتمل على منطقتين مختلفتين ومتكاملتين: منطقة مغلقة بإحكامء وأخرى مفتوحة للاجتهاد.

المنطقة المغلقة لا يطرأ عليها تحويل ولا تبديل» ولا يدخلها اجتهاد ولا يجد حاجة لدخولها : إنها منطقة القطعيات في الشريعة» مثل وجوب الفرائض الأصلية كالصلاة والزكاة والصيام والجهادء وتحريم المحرمات اليقينية كالزنا والربا وشرب الخمرء وأمهات الأحكام القطعية كالمواريث وأحكام الحدود والقصاص"'' . . . . وما إلى ذلك مما جاءت به النصوص القطعية ثبوتيا ودلاليا.

هذا النوع من الأحكام الوارد في المنطقة المغلقة هو الذي يجسد الوحدة الفكرية والسلوكية للأمة الإسلامية» فلا يجوز أن تدخل تلك الأحكام تحت سقف الاجتهاد. ولا يجوز للاجتهاد أن يعمل أي عمل فيها. من غير الممكن أن

. راجع المصدر السابق‎ )١(

١٠

هل يجوز تعطيل صيام رمضان من أجل الرفع في الإنتاج ؟ السياحة ؟

أو هل نجمد حج بيت الله الحرام من أجل توفير العملة الصعبة ؟

لا اجتهاد فيما لا يجوز فيه الاجتهاد من القطعيات .

كثرت النصوص القطعية ثبوتيا ودلاليا في بعض مجالات هذه المنطقة المغلقة إلى حد التفصيل أحياناء كالعبادات وشؤون الأسرة والمواريث» لأنها من الثوابت التى لا تكاد تتغير بتغير الزمان والمكان» والحاجة ماسة فيه إلى

في مقابل هذه المنطقة المغلقة المجسدة للوحدة الفكرية والسلوكية للأمة» نجد في الشريعة الإسلامية منطقة أخرى مفتوحة للاجتهاد؛ منطقة تحفظ شباب الإسلام وسر تجدده وتجديده» وتضمن ديمومة فاعليته. وهذه المنطقة المفتوحة تنقسم بدورها إلى منطقتين. إحداهما منطقة ما لا نص فيه» مما تركه الحق تعالى للخلق قصدا منه» رحمة ورأفة بالإنسان غير سهو ولا نسيان . ليملاً المجتهدون هذه المنطقة بما يحقق مقاصد الشريعة الربانية وبما يتماشى ومتطلبات العصر وفق المسالك الاجتهادية. ذلك أنه توجد فى الشريعة الإسلامية مجالات تقل فيها النصوص إلى حد كبيرء أو تأتى عامة مجملة لتترك للناس حرية الحركة في الاجتهاد ولتدع لهم مرونة الاستنباط في ضوء الأصول الكلية» وفق مصالح مجتمعهم ومتغيرات عصرهم وظروف مصرهمء. دون أن يجدوا في النصوص ما يقيدهم أو ما يعوق مسيرتهم .

وجود النص غير القطعي لا يمنع التأويل والاجتهاد. بل أكثر ما في القرآن الكريم يحتمل تعدد الأفهام في الاستنباط منه . . . . أكثر القرآن قابل للتأويل لما للناس عليه من اختلاف في مستويات الفهم والإدراك والاستيعاب. جاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وآله وسلم : "ما من آية إلا ولها ظهر وبطن» ولكل حرف حد ولكل حد مطلع ' .

دعوة واضحة وصريحة منه صلى الله عليه وآله وسلم لتجاوز ظاهر اللفظ وقيده والغوص في باطنه لكشف درره. واستقراء كنهه. واستجلاء الحقائق التي ينطوي عليها.

عانت الأمة الإسلامية» على إمتداد تاريخهاء من غلق باب الاجتهاد وإلجام الفكر الحر وخنق الأئمة والعلماء وخلق 'فقهاء القصور" ممن باعوا الدين بالدينار. بتحالف الاستبدادية السياسية والدوغمائية الدينية اللتان طالما ترافقتا عبر تاريخ المسلمين» ألجم كل فم داع إلى عقيدة سمحاء وإلى فكر سج دع

لقد تكرر مرارا تواطؤ التصلب اللاهوتي مع الاستبداد السياسي» عبر التاريخ الإسلامي؛ مشككا في كل قديم نافع ومعارضا لكل جديد بناء. عرقلت مرارا حركة الخلق والإبداع» وعطلت مرارا حركة الفكر والاجتهاد؛ مما انتهى بالمجتمع المسلم إلى تقوقع حول ذاته. هذا الانغلاق المرعب على الذات ضغط على كل التاريخ الإسلامي وحكم عليه بسيادة الجمود والركودء وسيطرة التقليد والتعصب وذبول شجرة الفكر والاجتهاد.

مما يبعث على الخشية والخجل في عصر الانحطاط هذا هو الهزيمة النفسية أمام الحضارة الوافدةء والاستسلام المخجل للواقع المهين القائم في المجتمع الإسلامي المعاصر. وهو واقع ليس للوسلام فيه ناقة ولا جمل» ولم يصنعه المسلمون». بل صنعه الاستعمار وأذنابه 5 فرضوه عليهم بالقوة حينا

وبالمكر والدهاء أحيانا أخرى» وقام هذا الباطل الدخيل في غفلة من أهل الحق الأصيل الذي لدي المسلمين ”"' .

لكي تستعيد الأمة المحمدية أفضليتها وخيريتهاء ولكي تسترجع إشعاعها وريادتهاء ووسطيتها وشهادتها على الأمم الأخرى» يجب أن تستأنف حركة الاجتهاد مسيرتهاء وتستعيد حركة الفكر ريادتهاء وتسترجع العقيدة الأصيلة روحها السليبة . . . . يجب أن يتحرر الاجتهاد من جميع أنواع الخوف ومن كل ألوان الوصاية . . . . الخوف من سلطان المتسلطين من الحكام المارقين المتعطشين للفتاوى الجاهزة المبررة لتصرفاتهم والمضفية الشرعية على تجاوزاتهم .... الخوف من سلطان الجامدين المقلدين», أحباء الركود والجمود أعداء التجديد والتغيير . . . . الخوف من سلطان الجماهير والعامة الضائقة صدورهم بما يخالف الآراء والأهواء. .

اعلم أنه لا اجتهاد إلا لعالم رباني متأله عارف بالله؛ ذلك أن الناس كما رتبهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ثلاث أصناف, أعلاهم كعبا وأرقاهم مكانة وأشرفهم مرتبة هو العالم الرباني الوارد ذكره في حديث الإمام عليه السلام لكميل بن زياد حيث قال عليه السلام : " يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية. فخيرها أوعاهاء فأحفظ عني ما أقول لك : الناس ثلاثة: فعالم رباني» ومتعلم على سبيل نجاة؛ وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح» لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجوا إلى ركن وثيق 0

والعالم الرباني من كان علمه علم شهودي عقلي جمع فيه العلم اليقيني الكشفي والعلم العقلي الفكري» وهو خليفة الله في أرضهء وحجته في خلقهء وآيته في عباده» ولا يحىٌ لغيره اللاجتهاد. لن تخلو أرض الله من عالم رباني

(0) نهج البلاغة ؛/ات تل ص 7١7"‏ 3 مؤسسة المعارف» بيرووت .

١١ *

متوغل في التأله» متبحر في المعارف» ولا اجتهاد للباحث المتوغل في النظر الفكري والمنهج العقلي الصرف. إذ لا بد للخلافة من التلقي عن المستخلف الملك». والتلقي لن يكون إلا عبر واردات ربانية» وتجليات إلهية .... عبر النور الذي يلقيه الحق تعالى في قلب من يصطفي ويرتضي من عباده. والخليفة لا بد له أن يأخذ من ذلك النور ما يحتاج إليه لتدبير شؤون الخلافة .

والفرق بين العارف المتأله صاحب الفتوحات الربانية والباحث المفكر صاحب المناهج العقلية» أن المتأله العارف له قوة الأخذ عن الحق عز جاهه دون فكر ولا نظر ولا عقل بل باتصال روحاني وتجلي عرفاني» أما الباحث فلا يأخذ شيئا إلا بواسطة المقدمات والأفكار والنظر والبحث. وفرق بين إطلاق الوارد ونورانية الكشف ويقينية التجلى» وبين محدودية الفكر وظلمانية النظر وظنية البحث» والحديث عن هذا ذو شجون وأشجان؛ نصرف القول عنه الآن اعيى الستعال»: الحوار الذي بين الإنسان والإنسان : التجديد

اعلم أن تجديد الشيء هو إعادة تفسيره واستساغته طبقا لحاجيات العصر ومتطليبات الظرف . هو العودة به (الشيء) إلى ما كان عليه عند بدايته وظهوره لأول مرة» وترميم ما أصابه من خلل على مر العصورء دون تبديل جوهره أو تغيير شكله أو تحويل ملامحه»ء بل مع المحافظة على أصالة طابعه ومميزات خصائصه وخصوصيات جوهره.

التجديد حوار ضروري يقيمه الإنسان مع نفسه ومع بني جنسه .

إذا كانت الكلمة من الحق تعالى وله وإليهء وإذا كان العمل أثر منهاء وإذا كان النطق أثر من العقل» فبواسطة النطق يرتبط الإنسان بالحق تعالى»؛ وبواسطة الكلام يقيم علاقة مع نفسه» وبواسطة القول والسمع والكتابة يقيم علاقة مع أخيه الإنسان متبادلا ما هو مركوز في الأذهان إفادة واستفادة. ذلك

أن القول والكتابة من المفيد والسمع والقراءة من المستفيد. فإفاضة مكنونات ما تعلمه النفس لا تكون إلا بالقول والكتابة» كما أن التحصيل والاستفادة لا يكون إلا بالسمع والقراءة. والإنسان بجميع هذه المقومات النطقية والإرادية والكلامية والقولية .... قادر على إقامة هذا الحوار على أتم الوجوه وأكمل الطرق .

التجديد أنجع الطرق وأقصر السبل للمساهمة النظرية والعملية في تطوير الواقع وحل مشكلاته والقضاء على أسباب معوقاته؛ لم يكن يوما مقتصرا على مجال واحد من مجالات الحياة أو جانب واحد من جوانبهاء بل شمل كل مجالات الحياة» فتعددت بذلك جوانبه وتنوعت أبعاده واحتوي على جميع ما شمله الإسلام: فكرا وروحا وعملا.

الدين الإسلامي الحنيف غير جامد بل متجدد ومتطور» وتجديد الدين ثابت بالنص» ولكنه ليس الاجتهاد بعينه. إذا كان الإسلام يعتبر الاجتهاد أداة لفهم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة؛ فإن الاجتهاد فرع من فروع تجديد الدين ولون من ألوانه» فرع يشمل الجانب الفكري والعلمي .

تجديد الدين ليس إعمال اليد فيه بالحذف أو الزيادة .

تجديد الفكر لا يكون عبر نسف المفاهيم الأصيلة واستيراد أخرى

تجديد الروح ليس بالتنكر لمقومات العقيدة وثوابت الدين ....

تجديد السلوك ليس بالتقليد الأعمى ....

المجدد الحقيقي هو الذي يجدد الدين بالدين وللدين» ويعيده نبعا زلالا إسلاما محمديا أصيلا .. . . هو الذي يجدد الفكر بالفكر الأصيل ويطور مفاهيمه ويطوعها لتواكب العصر . . . . هو الذي يجدد الروح بالعروج الدائم بها إلى الملكوت العلوي والارتواء من المنابع الأصيلة . . . . هو الذي

١16

يجدد السلوك ليكون ثمرة من ثمرات المجاهدة القلبية والرياضة الفكريةء متناسقا مع العقيدة الصحيحة والفكر الأصيل المجدد. أما من يريد التجديد من الخارج بالاستيراد والتقليد» بالتنكر والهدم. بالطمس والانبتات» فهو أيعد ما يكون عن التجديد الحق» هو خارج من زمرة المجددين داخل في زمرة المبددين .

انقسم أبناء الأمة الإسلامية» ولا يزالون منقسمون» في شأن عملية التجديد إلى فئات ثلاثة بين رافض ومغال ومعتدل.

الفئة الأولى هي تيار " أعداء التجديد ودعاة الجمود ' رفضت كل جديد وحاربت كل إصلاح وتجديد. دعت إلى التمسك الحرفي والالتزام الأعمى والإسقاط العشوائي لكل ما خلفه السلف الصالح. شعار هذه الفئة ' لم يترك المتقدمون للمتأخرين شيئا * وكذلك " ليس في الإمكان أبدع مما كان ' . حملت بين جنبيها اتجاهين اثنين : أولهما اتجاه المتزمتون المتعصبون للمذاهب» المقدسون للتقليد الأعمىء الجاحدون بأحكام الواقع وبحق الفكر الحر والاجتهاد في الدين. ثانيهما اتجاه الواقفون عند ظاهر القول المتمسكون بحرفية النص . كلى الاتجاهين يشمل رجال محبون للدين؛ مخلصون للإسلام» ذوي نوايا حسنة, إلا أنهم عاجزون عن تقديم الشيء الإيجابي للإسلام» بل انتهت مواقفهم إلى تجميد الدين وتخلف المسلمين.

الفئة الثانية هي تيار " مغالاة التجديد ودعاة التغريب ' . رفع لواءها أناس تربوا في أحضان الغرب وفتنوا بتقدمه واتبهروا بقيمه؛ فرضعوا منه البعد عن خصوصيات الأمة والانبتات عن هويتها والاغتراب عن مقوماتها. دعوا إلى التنكر لكل موروث صالح أو طالح . . . . إلى نسف وتغيير كل قديم وإن كان هو هوية الأمة وأساس تماسكها وسر بقاءها ... . إلى اقتباس كل ما عند الغرب .... وإلى جعل المدنية الغربية القدوة في التقدم والمثل في الرقي. كان تجديد هؤلاء هو التغريب بعينه .... واجتهادهم تقليدا.... وتحررهم

استعبادا .... وانسلاخهم عن الإسلام استعبادهم من طرف دين جديد هو السلا العرية

الفئة الثالثة هي تيار " الأصالة والتجديد ' . فئة رفضت الجمود ونبذت الجحودء وعارضت التزمت وأدانت التغريب» نادت بنهضة حديثة تجمع بين أصالة الإسلام وحداثة الغرب. نهضة تدعو إلى العودة إلى قيم الإسلام المحمدي الأصيل» ليس على طريقة تيار الجمودء بل عبر قراءة جديدة للقرآن متحررة وخالية من كل تعصب وتقليد» وعبر رؤية حديثة وناضجة تتأقلم وروح العصر لتعيد للأمة هويتها وتصالحها مع ذاتها. نهضة تدعو كذلك إلى الانفتاح على الغرب» وعلى كل حضارات العالم» ليس على طريقة تيار التغريب» بل بكيفية متزنة خالية من مركبات النقص» بعيدة عن الذوبان» تأخذ المفاهيم والقيم الصالحة وتقتبس العلوم والتقنيات النافعة قصد هضمها وإعادة إنتاجها بطريقة تتماشى وروح العقيدة الإسلامية .

الحوار الذي بين الله والكون : التسخير

اعلم أن العين المقصودة لله تعالى من تكوين الأكوان» وجريان الأفلاك والأجرام» وإيلاج الليالي في الأيام؛ هي الإنسان الكامل» صاحب الأمر الشامل»؛ مرآة الذات العلية» ومجمع الحقائق الربانية» ومنزل الأسرار الملكوتية»؛ ومحل ظهور الأسماء الإلهية. لما كان الإنسان الكامل خليفة الله في أرضهء وحجته على خلقه ونائبه فى أمره؛ المنظور إليه والمعول عليه . . . . لما كان ذلك كذلك» خلق الله كل شيء له (للإنسان الكامل) ومن أجله وسخر له كل شيء؛ فما من حقيقة صورية في الملأ الأعلى والأسفل إلا وهي مسخرة للإنسان الكامل» ناظرة إليه نظر كمال؛ أمينة على أسرار أودعها الحق تعالى

. راجع أيضا الحوار السابق مع يوسف القرضاوي‎ )١(

١١ /ظ‎

لتوصلها إليه دكاتي لوجر كلستفقه ولا د دقيقة إلا من الكامل إليها ومنها إليه ا ا : كر لَك نَا فى السَموتِ وما فى الْأََضٍ بَِيمًا ند إن فى دَللك كينت لوم يتشؤُوت > وكذلك #أنهُ يِه حَقَ َلَموتِ وَالْأرْضَ وَأنَرّكَ ورت ألسَمَآ مآ 0 ا اشر الفزلت عر فٍ 7 1 59 يك 151 الأنية © د وح صر لكك امسر ين لمر ميسكم لك ال رار ج14"

000 الإسناالسوان القييه بالكامل فى النشاء الوايمة السرليسة) مرحيف نماء تكرينه لذ حرحيك: كهانةة قينا انسل رق )احفر ل لكام ف الس إقالله يكمل فهو من المسخرين لمن كمل .

أوحى الحق تعالى إلى بعض أنبيائه مخاطبا الإنسان التام في النشأة الطالب للكمال في غاية وجوده : ' يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلي. فلا تهنك ما خلقت من أجلي فيما خلقت من أجلك. يا ابن آدم إني وحقي لك محب. فبحقي عليك كن لي محبا ... ' ”".

شاءت الإرادة القدسية والمشيئة الإلهية أن يكون الكون صالحا لاستقبال الإنسانء ملبيا لحاجاته» مناسبا لقدراته» مستجيبا لمهمة الخلافة المنوطة بعهدته ارا ري كانت رياد ع ات مارت يل ل الترتيبات التي أراد بها الحق تعالى تهيئة محل الخلافة وتحضير ير الكون لاستقبال خير المخلوقات وأتم نسخ الكائنات» وتوفير أسباب النجاح للقيام بمهمة الاستخلاف» والدور المنتظر الذي بعث الإنسان من أجل أدائه؛ بل يبحر القرآن )١(‏ الجاثية : " )١(‏ إبراهيم : 39-15 .

(*) راجع : ' رحمة من الرحمان في تفسير وإشارات القرآن . من كلام الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي ' ج كن جمع محمود محمود الغراب .

١>1/

ع ا ا ل ا ا والأرض وهي لا تزال دخانا قائلا : 8 . . .. أنْيَا طَرْعًا أَوْ كَيَهَا مالم نينا طَأبِينَ4”'' . يمتد التوجه اللشتارك كن الات لق لى إلى طقل كيت الشأة الأشبائية الجسيمانة على :هده الكرة الأرفية + إنه كن قعل أمخر مجك فمة الإرادة المقدسة» والقول الإلهى» والكلمة الربانية بالمنفعلات المادية فصاغتها نظما طبيعية. وكتلا ملكية كونية» أو نباتات أو حيوانات ذات أنفاس حياتية .

وهذا التسخير الرباني ليس تسخيرا عشوائيا بل خاضع لتقدير حكيم» وقائم على اتزان رصين لتوفير أسباب النجاح للمهمة الإنسانية في هذه الحياة الدنيوية . مبدع» وسئن إلهية ونواميس ربانية محفوظة من التبديل ومصانة من التحويل» كما جعل سبحانه جميع الظواهر الطبيعية على كثرتهاء وكل القوى المادية على تعددها جنودا ميسرة مسخرة تعمل تحت إمرة الكلمة الإلهية والمشيئة الربانية لنفاذ تلك السنن ولسريان تلك النواميس . من بين تلك السنن الربانية ما سميته

بسنة ' الضبط والتقدير ' حيث يقول الحق تعالى في كتابه الكريم : 8 إِنَا َم

اي : «وَل بط أَنَّهُ أَلرَرْفَ لِعبَادِو لَعَوَاأ في الْأرضٍ

يرل يعدن ا تك نم بعادي و حي ضير 2714 .

اعلم أن كل شيء خلقه الحق تعالى بحكمة واتزان» دون زيادة وبغير ولا سخر شيئا إلا لهدف مرسوم.

لقد سخر الحق تعالى كل ما فى الكون للإنسان تسخيراء» فحدد سبحاته مثلا كتل الأفلاك وأحجامها وقوانينها وأبعادها بما يتلاءم ومهمة الخلافة» وقدرة )١(‏ فصلت : ١‏

(0) القمر : 8 (©) الشورى : ٠"‏

١ >"6

الإنسان الخليفة على التعامل العمراني مع كل المسخرات تعاملا فاعلا إيجابياء ' فلو كانت قشرة الأرض أسمك مما هي عليه بمقدار بضع أقدام» لأمتص ثاني أكسيد الكربون والأوكسجين» ولما أمكن وجود الحياة ... ولو أن شمسنا أعطت نصف إشعاعها الحالي» لكنا تجمدناء ولو أنها زادت بمقدار النصف لكنا رمادا منذ زمن بعيد . . . . ولو كان قمرنا يبعد ٠٠٠٠١‏ ميلا بدلا من بعده الحالي لكان المد يبلغ من القوة بحيث أن جميع الأراضي تغمر مرتين في اليوم بماء متدفق يزيح الجبال نفسها .... ولو كانت مياه المحيطات حلوة لتعفنت وتعذرت بعد ذلك الحياة على الأرض» حيث إن الملح هو الذي يمنع حصول التعفن والفساد» ولولا أن الكلور يتحد مع الصوديوم لما كان الملح وبالتالي ما كانت حياة . . . . ولو كان محور الأرض معتدلا بدل هذا الميل الحالي الذي مقداره 7 درجة مع سكون الأرض» لتجمعت قطرات المياه المتبخرة من المحيطات والبحار ونزلت في مكانين محدودين في الشمال والجنوب» وكونت قارات التجمدء ولظل الصيف دائما والشتاء إلى الأبدء ولهلك الناس والحياة والأحياء. . . . " ”©2: وقس على ذلك العديد من العطايا الربانية المدروسة والكثير من المنن الرحمانية المضبوطة التي لو زادت أو نقصت عن حدها قيد ذرة لانتفت الحياة ولإنعدم الأحياء .

لا يغرنك أيها العزيز تسخير المسخرات» وتذليل العقبات» وإنقاص الصعوبات. فإن الحق تعالى لم يقل أنه فعل ذلك ليسعد الإنسان ولا أيضا ليشقيه . وجب عليك إذن أن تخلع نعلي الغفلة والغرور وتبقى على قدم التحفظ والحذر؛ ففي التسخير والتذليل والتيسير فتنة يضل بها الله من يشاء ويهدي بها من يشاء. فتسخير المسخرات في الأرض وفي السماوات لا سلطان له على سعادة ولا على شقاءء لا يعصم من نار ولا يدخل جنةء بل حسن استغلال التسخير وحسن توظيف التذليل فيما شرعه العزيز القديرء هو وحده الكفيل

: راجع كتاب 3 الله جل جلاله سعيد حوى» ص ”7 3 دار عمار . بيروت . عمان‎ )١(

١

بالفوز بالجنات والنعيم؛ وبالنجاة من النيران والسعير. الحوار الذي بين الإنسان والكون : الإستخلاف

خلق الله تعالى الإنسان على صورته . . . . نفخ فيه من روحه . أحسن تقويمه .... أسجد له ملائكته . . . . استخلفه في أرضه . . . . علمه الأسماء . . . . سخر له ما فى الأرض وما فى السماء . . . . أعطاه من الحرية ومن الإرادة ما يختار به من السبل ما يشاء ا وجعله ذو نسبتين متكاملتين : النسبة الأولى يدخل بها إلى الحضرة الإلهية؛ والأخرى يلج بها إلى الحضرة الكيانية ''. هو في الأولى عبد وفي الثانية رب. الإنسان عبد من حيث حقيقته وتكليفه وعجزه وخضوعه وافتقاره . . . . ورب من حيث صورته واستخلافه وتقويمه وحاكميته وسيادته .

للمقام الإنساني عظمة تكمن في برزخيته : الإنسان برزخ بين الكون والمكون»ء حد بين أحسن تقويم وأسفل سافلين» جامع للحق وللخلق. وفاصل بين الألوهية والكونية .

لقد اصطفى الحق سبحانه الإنسان من جملة مخلوقاته ونصبه خليفة في مملكته الأرضية. علمه الأسماء لحسن استخدام السنن الإلهية واستغلال المسخرات الربانية» كلفه بإعمار الأرض طوال كينونته الدنيوية» وأعطاه من الحرية ما يختار به سلوك الصراط المستقيم أو الانحراف عن طريق العبودية .

الخلافة الربانية درجة وجودية عليا ومركز كوني سامي بين الكائنات» شرف المنان بها الإنسان. وكرمه وميزه بها على سائر المخلوقات. هُوٌ ليِى بعك حَكَيِفَ في الأ شن كر عليه ك0 ولا يزيد كفن كُفرَهُمٌ عِندَ تتم إل مقذا ولا بزِيدُ الْكفرنَ كُتْيْمٌ إلا حمانا ©4”"... مولت كَرَبنَا بي مادم

. للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي؛: قدس سره‎ .”57 راجع ' إنشاء الدوائر '" ص‎ )١( 4 : فاطر‎ )5(

ل سر م ار وو عاضوا ره ' اوداك عمدو عدا زوه ىج | سوسا

وحملتم في اليرٍ والبحر وررفتهم من أ لطبت وَيِصَّلتهِمْ عل -حكثير مُمَّنَْ اخَلفَنا 0 3 4 .

إذا كان الإنسان برزخ في مقامهء حد بين الكون والمكون» وجامع للحق وللخلقء, فان الخلافة بشقيها العبودي والسيادي تعبير عن علاقة عمودية وحوار ب بين الإنسان الوسسع شاف (بفتح اللام) وبين الحق تعالى المستخلف (بكسر اللام) وذلك حظ العبودية من الخلافة؛ وكذلك تعبير عن علاقة أفقية وحوار بين الإنسان الخليفة وبين كل ما استخلفه الله عليه» وذلك حظ السيادة من الخلافة .

اعلم أن للخلافة في حق الإنسان وجهان : وجه جبري وآخر اختياري .

للخلافة وجه جبري لأن الإنسان» المختار للخلافة» خليفة بمقتضى 'الجعل الإلهى". أي أنه خليفة بمقتضى الخلقة والفطرة والجبلة ”''» ليس مخيرا في أن يكون خليفة أو لا يكون . . . . هو خليفة وكفى.

من جهة أخرى. يقول الحق عز وجل متوجها بخطابه لملائكته : 9 إن جَاعِلٌّ فى الْأَرْضٍ حَلِيكَدٌ 04" . ورد لظ “اخليفة “كرغ مغرف :والشكرة تفيد الإطلاق» وفي الإطلاق ضرب من ضروب الاختيار .... أي أن الحق تعالى جعل الإنسان خليفة فى المطلق دون أي تحديد للذي سيكون خليفة له؛ فما قال سبحانه ' خليفتي ' أو " خليفة لي * » ومن ثم فالإنسان خليفة وكفى.

يكمن الجانب الجبري الجبلي في حقيقة الخلافة في أن الإنسان خليفة فتك انا حلبية لقن لله مساك ار فقي الله ف افهذا مزمز كن للدراذة الإنسانية الحرة» ومفوض لفاعلية الهمة والمشيئة البشرية . لقد خلى الإنسان

ب

. 9/١ : الإسراء‎ )١( (؟) راجع ' استخلاف الإنسان في الأرض د. فاروق الدسوقي, المكتب الإسلامي» بيروت؛‎ . 175

: البقرة‎ )"(

ناطقا عاقلا مريدا متكلماء له حرية الاختيار في أن يجعل خلافته للجبار أو يوجهها نحو الأغيار. هو حر ومسؤولء» في حريته تشريفه» وفي تشريفه تكليفه . اختياره اختباره» واختباره عين ابتلائه» ونتيجة ابتلائه كيفية جزائه؛ لذلك كانت الخلافة في الدنيا ابتلائية وهي في الآخرة جزائية . في هذا الاختيار تكمن عظمة المقام الإنساني» حيث أن كل ما في الوجود له مقام معلوم ورتبة محددة» إلا الإنسان فإن مقامه برزخي يشرف من جهة على الملكوت العلوي» برفعته وشرفه وعلو مكانته. ومن جهة أخرى على العالم السفلي بحقارته ودناءته وسفالة مكانته. والإنسان وحده يتفرد بقدرته على تخطي بقاءه الإنساني» ويستطيع إما أن يرقى إلى ما فوق الملكوت العلويء أو أن يهوي إلى درك العالم السفلي. يرفى حين يوجه خلافته خالصة للجبار؛ ويهوي حين يصرف خلافته نحو الأغيار.

اعلم أيضا أنه من المحال أن يتخطى الإنسان مقام العبودية. لقد خلقه الله تعالى عبدا ولا يمكن لهء في أي حال من الأحوالء» أن يكون سوى عبدا. هذه المسألة جبرية جبلية» إلا أن الإنسان ليس ككل المخلوقات» هو عبد من نوع خاص . . . . عبد يحدد معبوده باختياره. لقد جعل الحق تعالى مسألة عبودية الإنسان أساس الابتلاء فى هذه الحياة الدنيوية» حيث ترك له حرية اختيار معبوده. يستطيع الإنسان أن بورح عبوديته نحو خالقه وحده فيصبح بذلك عبدا لله؛ كما يستطيع أن يجعل عبوديته لله ولغير الله فيصبح مشركاء ويستطيع أيضا أن يصرفها لغير الله فيكون كافرا ملحدا .... لكنه في جميع الأحوال عبد مختار لمعبوده إما الله أو سوى الله.

في تحرر الإنسان من عبوديته لله سقوط في عبودية لغير الله. لطالما توهم الإنسان أنه إذا رفض توجيه عبادته خالصة لله قد تحرر من العبودية» هذا وهم أضل العديد من العباد . . . . ليس معنى أن يرفض الإنسان عبادة الله أنه تحرر من العبودية» بل هو سقوط في رق عبودية لغير الله.

١ *؟‎

من لم يحقق عبوديته لله فهو حتما قد حققها لغير الله .... إذا لم تكن عبدا لله فأنت بالضرورة عبد لغير الله . . . . إذا لم تكن عبدا للحق فأنت عبد للطاغوت . ذلك أن الطاغوت كل ما وجهت له العبادة من دون الحق تعالى ... . كل من أخرجك من نور الهدى إلى ظلمات الضلال .... كل من سلبك عبوديتك الفطرية وأسرك في رق عبودية مصطنعة. الهوى طاغوت .... الشيطان طاغوت . . . . المال طاغوت . . . . الحاكم الظالم طاغوت .... المتصب الاجتماعى طاغوت ... . الأمة الجائرة طاغوت . النكرة المسعستت: لهاتلا قوت ب ١‏ الفسدفى الكيقن ارك ا ها ايد الطواغيت». وكم عديدة سبلهاء ظلامية أساليبهاء مضلة ولايتهاء ملتوية طرقها .

تتعدد الطواغيت ويبقى الحق واحدا . . . . تتعدد الظلمات ويبقى النور واحدا . . . . تتعدد الضلالات ويبقى الهدى واحدا و 0 ربخي الصراطط المسسلم واكدا 0 .. يقول الحق تعالى : االَّهُ ون اليرت عي ري عن اللاعت ِل الور وَألَدرت كتروأ أولمَآئْهمُ لعلدَمُوتٌ يه نت ألثْورٍ إِلَ ل 0 سَحَبٌ ألثَارٍ هُمْ يها كيئرت © 4"

0 اذ هو

.... وكذلك : ظللْمَمَدُ يِه ألَذِى حَلَقّ اَلسَمَوَتٍ وَالْأَرصّ وَجَمَلَ لظت والثور ُمَّ

دى

م2 ملل

لين كمي 0 فلت ©" 0 والتصصيدةا” , أن هذا مزيلى مت د كم عن سَيِله دلكم وما به

6

4 فأَتَبِعُوه 1 تَنبِعُوأ ألشثل مد ملك تلن و74 .

لقد ورد لفظ النور مفردا لأن الحق واحدء وورد لفظ الظلمات في صيغة الجمع لأن الطواغيت أجناس كثيرة .

)١(‏ البقرة : لاة (١‏ الأنعام 1 22 الأنعام : #م6 .

لا سبيل أمام الإنسان لتحرير ذاته من رق عبودية الأغيار»ء ومن ظلمات الطواغيت» ولاسترجاع عبوديته الفطرية السليمة إلا بالعودة إلى صراط الواحد القهارء وبإخلاص العبودية لله وحصرها فيه (الله) وحده. يقول الحق تعالى في فاتحة كتابه الكريم : 9 إيَّاكَ عبد وَإِياكَ تين ع7 ؛ ما قدم المفعول وهو " إياك ' إلا للحصر والاهتمام» أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوجه إلى سواكء لا حاجة لنا عند الأغيار ما دمنا عبيدا للواحد القهار.

والعبودية التي خلق الإنسان من أجلها عبوديتان : عبودية فردية وأخرى اجتماعية . العبودية بمعناها الشامل تبدء فردية وتنتهي اجتماعية» فتكون الفردية جسرا وطريقا للاجتماعية . . . . العبودية الفردية لازمة وجوبا لكنها ما لم تتمم بالاجتماعية تبقى ناقصة غير مستكملة لدورها. ما الصلاة والزكاة والصوم وبقية العبادات الفردية الأخرى إلا إعدادا للفرد للقيام بدوره ضمن مجموعة أو مجتمع . العبادات تمنح الوحدة العقائدية والفكرية والسلوكية لمجتمع تربطه نفس الغاية النبيلة وهي إرضاء الله سبحانه وتعالى .

إرضاء الحق تعالى هو غاية الإنسان المسلمء ولا يكون ذلك إلا عبر

ال اوه 4 وفي مجتمعهء يقول تعالى : #ومًَا حَلَقَتٌ ْلْنَّ والإنى إِلَّا ليعبذ ف © . وتحقيق العبودية لله سبحانه بالمعنى الشامل يمر عبر القيام بأعناء الاستخلاف في الآر ض بأبعاده العميقة ونشاطاته العديدة استجابة لقوله تعالى : 8 يدَاوْدُ إِنَا جَعَلْتَكَ حَلِيمَهَ في الْأرضٍ كحم بن تاس بلحي 0 تيع ألهوئ فيضِرّكَ عَنْ سل 71 ٍَ لذبن 0 عن سَبِيلٍ الله َس لي عَدَابٌ سَدِيدا اج ا 7" وأعباء الاستخلاف 0 00

)١(‏ الفاتحة : ه فقوف ص 0

أئمة المسلمين وبقية عباد الله الصالحين» وإعمار الأرض لا يكون إلا في صلب جماعة أو مجتمع . ومن غايات المجتمع المسلم هداية الأمم الأخرىء وقيادتهاء والشهادة الحقة عليهاء بما يملكه من قيم العدل والإنصاف ومن رفعة المقام 0 للوصول بالبشرية التائهة إلى تحقيق معنى العبودية

«وَكَدَِكَ جَعَلتكمُ أمَّهٌ وَسَطا لِنَكُووا سُبَدَآ عَلَ ألتّاس وَيَكْونَ الرسُولُ عَلَكُم

<< ةا به تمثل العبادات أو 0 التعبدية تيح سين ين الفردية في الاسام

الإنسان مطالب إذن بعبادة الحق تعالى كفرد وبعبادته أيضا كمجتمع . وإذا أراد مجتمع ما تحقيق قيق عبوديته لله فيجب على أفراده أن يحققوا عبوديتهم

الفردية لله أولاء ثم عليهم أن يخضعوا نسيج علاقاتهم وجميع معاملاتهم ومناهج حياتهم العامة لإرادة الله التشريعية ”"' .

كل فرد أو كل زمرة أفراد تحشر يوم القيامة مع من وجهت عبوديتها نحوه؛ إن كان ربانيا فنعم المصيرء وإن كان طاغوتيا فبئس المصير. يقول الحق تعالى : طُيَوْمّ نَدْعُوأْ كل أناي مم74" . من كان إمامه فرعون حشر مع فرعون» ومن كان إمامه هامان حشر مع هامان» ومن كان إمامه وقدوته طاغية شيطاني حشر معه. ومن كان إمامه خليفة ربانى حشر معه. . .. #ويوم حش لظام عل بديْهِ ينول بيت مدت مم ارول سيلا يق بت ل

22 ل

يِذ لاما حَلِلَا © لَمَد أصَلَى عن الكر بد إذ جافٍ وكارت السَيْطن

. ١857 : البقرة‎ )١(

)١(‏ راجع ' استخلاف الإنسان في الأرض '. د. فاروق الدسوقي., المكتب الإسلامي» بيروت» ١9485‏ .

(”*) الإسراء : ١ل‏ .

١5

لسن َك 49" .

والمجتمع المسلم ضرورة دينية وحاجة عقائدية» يعتبر إقامته من أحكام الإسلام الأولية» بل من أهم الأحكام ومن أدق الشروط لتحقيق الولاية الربانية والخلافة الإلهية. إقامة المجتمع الذي ينشد الإسلام المحمدي الأصيل من أوكد الواجبات الإسلامية» مقدم على إقامة الفرائض التعبدية والشعائر الدينية» حيث أنه (المجتمع المسلم ) يمثل الضمانات الأساسية لتحقيق العبودية الفردية والاجتماعية: في إنشاء المجتمع المسلم تيسير لإقامة الفرائض التعبدية» تسهيل لتطبيق الشريعة الإسلامية» تشجيع لإقامة الحدود الربانية» بسط للعدالة الفردية والاجتماعية» حماية للأفراد من السقوط في أنواع الانحرافات» حفظا لهم من مهالك الفواحش والمفسدات». تصد للجور والجائرين وللهيمنة والمهيمنين .... أما في غيبة المجتمع المسلم أو في غربته بين أهله فمن الممكن» بل من البديهي» أن تعطل الأحكام الإلهية لأنها تتعارض والنزوات والشهوات الإنسانية» وتتضاعف المعوقات والمغريات فتكثر الفتن» وتضعف حصانة المجتمع .

. 59. الفرقان : لا‎ )١(

١ /

وَتفس ونا سر ها مم 0 -0 فونه نَدْ أفلَح من دَُكّهَا (قتم وَقَدَ حَابَ مَن 3

0

تت

أ

١ "6

هذا الباب عمدة أبواب الكتاب ‏ جمعت فيه خلاصةاللباب إذكنت من ؤويالألباب فأندتالمقصودبالخطاب غص في بحار الجواهر العجاب واغترف ماقدرت عليه من اللباب وإن كنت ممن يتنصتون خلف الأبواب ولايعرفون للأسرار حرمة ولا جواب يكفيك بعض ما مضى من الأبواب ففيها شفاء لكل مريد غير مرتاب

في معرفة النفس

اعلم أسعدني الله وإياك سعادة أبدية» أن كمال الإنسان في العلم بالله تعالى» وفضله على بني جنسه بقدر ما اكتسب من فحواه؛ واعلم أيضا أن مفتاح العلم بالله تعالى علم الإنسان بنفسه حيث قال الحق جل ثناؤه : «سَعْرِِهِم يتنا فى الْأآمَاقِ وف أَنَفِيحَ حَقٌّ بين لَهُمَ أنَهُ لي 4 2 كما أثر عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم قوله : " من عرف نفسه عرف ربه " .

لقد خلق الله الإنسان الخليفة على صورته وجعله دليلا عليه؛ بل عين الدليل» ولا بد أن يكون العلم بالدليل مقدما على العلم بالمدلول» فالعاجز عن معرفة نفسه أعجز عن معرفة ربه.

والنفس الإنسانية بحر لا ساحل لهء وبئر لا قاع له» لا يتناهى النظر فيهاء كلما ازدادالإنسان نظرا فيها ازداد علما بهاء» وكلما ازداد علما بها ازداد علما بربهء وقد تكون المعرفة بالنفس في نهاية المطاف عجز عن المعرفة بهاء

. فصلت : "م‎ )١(

١5

فيعرف من يريد أن يعرف أن هذا المطلوب لا يعرف . فالله تعالى لا يعرف إلا بالإنسان كما أن الإنسان لا يكون إلا بالله» فمن عرف المربوب عرف الرب»

وإذا كان الرب لا يعرف فالمربوب لا يعرف.

والنفس الإنسانية بنطقها وكلامها وإدراكها وسعيها جوهر الإنسان وحقيقته وزينته وتاجه» شأنها رفيع ومقامها شريف؛ ألا ترى أن الرسول الأمجد عليه وآله الصلاة والسلام فيما أثر عنه أنه قام لجنازة يهودي فقيل له : * إنها جنازة يهودي " فقال عليه وآله الصلاة والسلام اليك فسا 9 .

لقد قام إجلالا للنفس وتعظيما لشرفها ومكانتهاء وكيف لا يكون لها الشرف والرفعة وهي من نور وصف الربوبية مخلوقة» ومن العالم الملكوتي الروحاني منزلة. ومن مقام العفة والطهارة مقبلة .

والحديث عن النفس حديث قديم متجدد .

هو قديم حيث خاض في شأنه الأقدمونء» ففصلوا فيه القول. وقدموا في شأنه الطروحات والأفكارء وأنشئوا المفاهيم. وهو متجددء وسيظل متجددا على الدوام» لأن أصل كل المحامد والمآسي على المستوى الفردي أو الجماعي أو المجتمعي» بل وحتى على مستوى الإنسانية. مأتاها النفوس البشرية . منبع الخير والشرء والتقوى والمفمجور» على وجه هذه الأرض مرهه النفس الإنسانية وتأثيرها على ردات فعل الفرد وسلوكه تجاه نفسه وغيره. وبما أن الفرد لا يعيش إلا فى مجموعة. فالمجموعة بدورها تتأثر بذلك السلوكء وإذا كان للفرد نفوذ ولمجموعته قوة وسلطنة على بقية الجماعات فإن ذلك سيؤثر مباشرة. أو بعد الإنسانية لا يكون إلا بتزكيتها وتطهيرها؛ وستكون لنا وقفة مع أمر التزكية والتطهير فى موضعه من هذا الباب الأخير من الكتاب إن شاء الله تعالى. من

١ ؟‎

أجل ذلك أراد الحق سبحانه أن تكون قيادة الإنسانية وزعامة البشرية بيد الأمة المستبصرة بنور الله. ذات العقيدة الصحيحة» والفكر السليم؛ والعمل الصالح. والنظام العادل. فقال جل ثناؤه : «وَكَدَلِكَ جَمَتك أمَّهُ وَسَطا لِنَكُووا شهدا عل الئاس وَيَكونَ ألرسُولُ عَلَيَكمْ هيدا '2. إن من يصدر إليه أمر من الحق تعالى ليكون شاهدا على البشرية لا بد وأن يكون ذو مقام رفيعء ودرجة عالية» وقدر سام. لقد وردت الآية الكريمة في سياق كلامه تعالى عن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام حيث سبقها قوله تعالى : #سَيَفُولُ الستهاء

م2 سا راة وم سس اام 2 رم رع أ مي مجاه الل مرص يمه مره 0 01 مِنَ ألنّاس ما وَلْلهُمْ عن قَبَلَهمْ الت كوأ عَلََهَاً كل ينم ألْمَمْرِفُ وَاَلْمَئْربٌ بَبْدى من يكآهُ إِلّ 0 +2 جعم 4 .2 2 الت 5 3 ١‏ يَكَه زم ه

2 مم ميات

22 2 ج26 سور رط 2000 ٠.‏ 4 و

السَمَاءِ فَلنوَلِسَنَكَ وَبلَهَ نَرْصها هَوَلِ وَجَهَكَكَ سَظرَ الْمَسْجِدٍ الْعَرَارٌ وَحَيْتْ ما مسر 5 مس مي (0)

فولواً وجوشكح سَطرم » 7 .

إن تغيير القبلة رمز لتغيير الزعامة وانتقالها من بني إسرائيل» الأمة الباغية» إلى المسلمين» الأمة الواعدة. وهذا التغيير لم يكن مجرد تبديل مكان بمكان أو اتجاه باتجاه كما فهمه السفهاء. بل كان في الحقيقة إعلان رسمي من الحق تعالى لسحب الزعامة من الأمة الباغية وتسليمها إلى الأمة الواعدة» لأنه سبحانه هداها إلى صراطه المستقيم ”*'. أي أعطاها كل ما هو ضروري للانتقال من قيادة النفوس إلى قيادة العالم .

فمسؤولية قيادة العالم موكولة إلى الأمة المحمدية .... الأمة الوسط .... وليست الوسطية اتخاذ موقعا يتوسط التطرف والانحلال» أو يكون بين

. ١84 : البقرة‎ )١(

(؟) البقرة : ١17‏ .

. ١54 : البقرة‎ )5(

(4) حول هذه الفكرة راجع أيضا ' تفهيم القرآن. شرح سورة البقرة ' لأبي الأعلى المودودي» الطبعة الثانيق. / ١948١‏ .

يفل

الشدة واللين . . . . بل للوسطية أيضا في اللغة العربية بعد آخر ومفهوم يخالف هذه المفاهيم التي يحاول البعض تكريسها وترسيخها. نقول كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسط قريش» وكانت قريش وسط العرب ... . أي كان عليه وآله الصلاة والسلام أشرف رجل في قريش وأفضل رجل وأعلاهم قدرا وأسماهم منزلة ... . وكانت قريش أقوى قبائل العرب وأفضلها وأشرفها وأعظمها شأنا . . . . من هذا المنظار تكون الوسطية معيارا يقاس به قوة الأمة» وحافزا لتكون الأفضل والأقوى والأسمى بين الأمم. نغلق هذا القوس فان فيه من الإيحاءات والتنبيهات النافعات ما يكفي للغوص في عوامق البحور شفاءا للصدورء ونعود للموضوع الرئيس وهو الحديث عن النفس» فأقول وبالله التوفيق :

لما كانت النفس الإنسانية شريفة المقام» رفيعة الدرجة. عظيمة الشأنء طاهرة المنشأ . . . . لما كانت كذلك ورفعة شأنها أكثر من ذلك» أردت أن أغوص في أغوارهاء وأسبح في بحار أسرارهاء عساني أغترف شيئا من حقائقهاء وأبين بعضا من رقائقها.

ومعرفة النفس تماما كمعرفة الروح محاطة بأسرار ربانية» ورقائق ملكوتية» ومخفيات قدسية . . . . حلقات من العماء والخفاء والأسرار لا يفهمها إلا أهل البصائر ولا يحيط بها إلا من عول عن العيان واعتمد على رؤية الإيمان

.... من وقف على سر فقد وقف عند سر . . . . وتضل الأسرار غير متناهية .

وكشف ماهية الروح ومعرفة حقيقة النفس من بين الأسرار التي لم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كشفها لمن ليس من أهلها؛ لأن الروح أمرية العالم. يقول الحق جل ثناؤه : #وَيسْمَلُوتكَ عِنٍ الروج قُلٍ ألروحٌ مِنْ أَمْرٍ رَقَ وَمَآ تسر يْنَ لهل إِلَّا قبلا م4 ”"'.

. الإسراء : 48م‎ )١(

١*4

الروح من عالم الأمر» وللحق تعالى هيمنة على كل العوالم «ألا لَهُ للق والكرر» ”ل وموجودات عالم الأمر خارجة عن الحس والخيال؛» بعيدة عه الفكر الاعفناز «عديية النهية والمكان: عبر داكلة تيت الكتا ولا الكمية ولا التقدير.

والآية الكريمة من سورة الإسراء ليست نص يحجر على الخاصة الخوض في حقائق الروح والنفس وما شابههما؛ ذلك أن السؤال في القرآن الكريم له أحد المعنيين : إما سؤال عن شيء لا يضر الجهل به» وإما سؤال عن شيء يضر الجهل به . والسؤال عن الروح من قبيل الأسئلة التي لا يضر الجهل بها.... سؤال أرادت به اليهود اختبار الرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام. يقول الدهلوي رضوان الله تعالى عليه في الحجة : ' قول الله تعالى : ' ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ' الآية ليست نصا في أنه لا يعلم أحد من الأمة حقيقة الروح كما يظن. وليس كل ما سكت عنه الشرع لا يمكن معرفته البتة؛ بل كثيرا ما يسكت عنه لدقته على العامة وإن أمكن معرفته للخاصة " انتهى قول الدهلوي .

فالإيمان درجاتء ولأهل التوحيد مقامات.

أولى درجات التوحيد» توحيد أهل الإقرار ممن وقفوا عند التصديق والتسليم بما جاء به القرآن الكريمء فأعفوا أنفسهم معانات الحيرة وعناء البحث”" «#وكالوا يمنا ومسا عُقفَرَائك ربا ولك الْمَصِيرٌُ ©» © ؛ ولهم

١ 6 5 1 0‏ 5 م 7 3 ره عند الله ثواب عظيم وأجر جزيل وأولئك هم المفلحون . . . . «الْذين يوون مع مم لع وام ص ع مو عور

0 1 > م 0 : لم2 > ءاير سكت م يالغيب ويميمون الصبلوة ومما رزستهم فقوت والذين «ؤمنونت بما أَنزِل

ص

. 054 : الأعراف‎ )١(

3 حول هذه الفكرة راجع 1 الوجود والعدم : لمصطفى محمود‎ . 7808 : (9؟) البقرة‎

١6

ير 2 ور

ا أ من كلك لخر هم وقنونَ 9 وتيك عل هدى من 0 0 ردوء وليك هم يحون وج 4" .

وفوق توحيد أهل الإقرار توحيد أرقى وأسمى هو توحيد أهل الإسرار. . .. وأهل الإسرار هم المرابطون الصادقون. الصابرون المجتهدون. . . . ممن تطلعوا إلى مزيد فأباح لهم الحق تعالى» كل على قدر استعداده» بعض من الخفاياء وكشف لهم فيض من الأسرار» حتى تجد بعض النفوس التواقة من الزاد المتجدد ما يشفي فضولها ويروي أشواقها.

وفوق توحيد أهل الإسرارء توحيد أصحاب الاعتبار.

وهم ثلة من المختارين ونخبة من المنتجبين بلغت قمة الطهر والصفاء. وكرمهء ونفس عن نفوسها وأرواحها من حبس الدنيا ومن أسر البدن» وحلق بها مناما ويقظة في آفاق السماء والأرض وغياهب النفوسء. وأرجاء الملك والملكوت؛ حتى عاينوا شهودا بدائع الصنع وخفايا الأمر وأسرار الخلق. وهو مقام شريف دقيق لا مدخل فيه ولا ذوق إلا لصفوة الخاصة ومن فوقهم. تعريفات أساسية

اعلم أن توضيح ماهية النفس يحتاج إلى أدنى شرح» وأن ذلك الشرح يستدعي أدنى تأمل لاشتباه النفس بمسميات أخرى في بواطنها مخفية» وعن أبصارنا وبصائرنا مغشية . . . . مسميات محاطة ماهياتها بحلقات من الخفاء والعماء» وبهالة من الأسرار. وهي : القلب والروح والنفس دون ارا ... كشف يتعلق بالغرض ولا يزيد

7 : البقرة‎ )١(

شيل

عنه. لكن قبل أن أسترسل في التبيان» ويأخذ ما في الجعبة طريق البيان» أود الإشارة إلى أن الخلاف حول ماهية النفس» وكنه الروح» وحقيقة القلب». وتعريف الذات. ومخفيات العقل» وبواطن السر . . . . وحول وظيفة كل من هذه المسميات وعلاقاتها بالآخرين» خلاف مشروع»؛ بل محمود وممدوح ... . خلاف لا يهدم أصلا من أصول الشريعة» ولا يهد ركنا من أركان الدين» إذا كانت غاية المريد عبادة الحميد المجيدء وكمال المعرفة المؤدية إلى تمام التوحيدء والله يهدي الجميع ويقول الحق وهو يهدي السبيل. القلب ليس القلب مضخة دم كما يبدو للعيان

بلهوأسمىمنذلكولهالرفعةوالشأن القلب رمز وكل من خاض فيه حيران

مابين صاحب ظفر وذي خسران هوبيتاللهالمعمور في الإنسان

ومحل لتجليات ذا الجلال والإكرام مجموع فيه الطور والكتاب المذكوران

وكذاالرقوالسقف وعرش الديان هوالمضروب بنورهالأمثال

حكمافي محكمالتنزيل والقرآن هو الذي بين إصبعين من أصابع الرحمن

لهال عتقلبس في كل حين وان مرآةللوارداتالربانيةالحسان

وسع بوسعه الذي كل يوم هوفي شأن للحق فيهبدلالعينالعينان

عين البصيرة وأخرى لليقين متكاملان

١ اي‎

تعريف القلب يكون على ضربين : هو عند العامة من الناس وأصحاب النظر لا يعدو أن يكون سوى كتلة

لحم صنوبرية الشكل مودعة في الجانب الأيسر من الصدر . .. . مضخة تضخ بنبضاتها الدم نحو العروق وسائر جسم الإنسان» تتجمد الدماء في العروق بعدم نبضهاء وتسلب الحياة بتوقفها.

والقلب في حقيقته لطيفة ربانية روحانية غير منفصلة على القلب الجسماني ولا متصلة به؛ تعلقها بالقلب الجسماني مضاه لتعلق العرض بالجسم . .. . إن شئت قل هو قوة وراء طور العقل ....

القلب مرآة . . . . مرأآة لالتقاط التجليات الربانية» والواردات الإلهية» والأنوار الرحموتية . . . . وهو كذلك مرآة لالتقاط الأنوار الظلمانية من خواطر شيطانية وشهوات نفسيةء ونزوات بهائمية .

القلب معلوم بالتقليب» محال عليه التَقَيّدء ومحال عليه الثبات على حال واحد. كيف يثبت والحق تعالى كل يوم هو في شأن ؟ القلب سريع التقلب في الأحوال دائما .. . . يتقلب مع كل نمس من الأنفاس» ومع كل تجَلّ من التجليات؛ والحق جل ثناؤه بوسع عطاياه وبعدم تناهي خزائن جوده لا يتجلى لعبد مرتين بنفس الحال» ولا بنفس الحال لعبدين . لذلك كان صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من قول : ' يا مُثْبّت القلوب ثبت قلبي على دينك ' كما أثر عنه عليه وآله الصلاة والسلام قوله : ' إن القلب بين إصبعين من أصابع الرحمان يُقلبه كيف يشاء ' .

اعلم نور الله بصرك وبصيرتك, أن لله في القلب عينين» كما ورد في

الحديث الشريف حيث قال الرسول الأمجد : ' ما من عبد إلا لقلبه عينان ' .

العين الأولى عين البصيرة وبها يكون علم اليقين. والعين الأخرى عين

١70

اليقين. العينان منفتحتان على خفايا الملكوت وأسرار الجبروت الكامئة في الإنسان والواردة عليه منة من الديان؛ الحديث في شأنهما يستدعي أدنى شرح وتوضيح.» والتوضيح ربما يكون مفيدا بتقريب الصورة الملكوتية إلى الأذهان» لذلك سأقوم بموازاة بين ما هو واقع في عالم الشهادة بما يقع في عالم الملكوت» فأقول وبالله التوفيق :

إن شئت قسمت العوالم إلى عالمين : عالم شهادة وعالم غيب وفقا

ماو موسرم

لقوله تعالى : لعَديمٌ أَلْميبِ وَألَبْدَةِ ألْكَبيرٌ الْسَمَالٍ 46 ""'.

عالم الشهادة عندنا هو كل ما أدركه الحس» ويقابله عالم الغيب وهو كل ما غاب عن المحسوسات . وعالم الغيب جامع لعوالم أخرى كعالم الملكوت» وعالم الجبروت وعالم الأمرء وعالم الخيال المطلق» وغيرها . . . . وتفصيل هذه العوالم يخرج عن إطار موضوعناء لكن يجب أن تعرف أن تلك العوالم متفاضلة فيما بينهاء وأن أدناها عالم الشهادة. فعالم الشهادة بالإضافة إلى عالم الغيب كالقشرة بالإضافة إلى اللب» والصورة والقالب إلى الروح؛ وهوء أي عالم الشهادة» تحت قهر وتسخير عالم الملكوت. لا تصدر حركة ولا قول ولا فعل ولا سكون من عالم الشهادة إلا عن عالم الغيب» حكمة من الحق تعالى.

عالم الشهادة يدرك بالحسء. أما عالم الغيب فيدرك بإحدى الطرق الثلاث: إما بالخبر الشرعي المتمثل في كلام الحق جل شأنه أو الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أو الأئمة عليهم السلام» وإما بالنظر العقلي المسددء أو بالوارد الرباني والإلهام الصمداني.

إذا كان عالم الشهادة يدرك بعين البصرء فإن عالم الغيب يدرك بعين البصيرة. والبصر لا يدرك المبصرات إلا إذا كانت الأنوار الحسية ساطعة منبسطة عليها دون حجب أو موانع مادية؛ أقصد بالأنوار الحسية نور الشمس أو السراج

. 4 : الرعد‎ )١(

غيل

أو أشباه ذلك من الأنوار الطبيعية أو الاصطناعيةء وأقصد بالحجب المادية الأجسام الكثيفة» وبالموانع البعد المفرط أو القرب المفرط . إذا كان وجود الأنوار الحسية واحتجاب الحجب المادية شرط ليبصر البصر المبصرات في عالم الشهادة» فإن الأنوار في عالم الغيب غير حسية والحجب غير مادية. ليس للمادة ولا للمكان معنى في عالم الغيب» وليس بين الأنوار الغيبية وبين عين البصيرة مسافة ولا قرب ولا بعد. إنما حجب القلب من نوع آخر يمثل الران والقفل» والغطاء والكن والغشاوة» وعدم الإخلاص والقبض والاستكبار والإصرار على المعاصي أهمها.

الران هو ما غطى على القلب وركبه من القسوة للذنب يعد الذنب». والدنس بعد الدنس» يقول تعالى في شأنه : «علا بل ران عل هُلُويهم كا كوأ يَكْسِبُونَ هكم » ”''2. وفي شأن القفل يقول جل شأنه : #أفل يَنَبَرُونَ الْشرَءَات أم عَلَ مُلُوبٍ أَتْمَاله4)91”"' ويقول سبحانه أيضا : طوََالوا وبا ب أَسكِئَةَ ينا نَعُويَآ إِلَهِ»ه 7" إلى غير ذلك من الآيات الكريمة. ويجب الإشارة أيضا إلى أنه متى تكاثرت الحجب على القلب أدى ذلك إلى العمى والعياذ بالله» يقول الحق تعالى : #ولكن تَمَى الْمُلُوبِ أل في ثور » 240 .

حجب القلب لا ترفع إلا بالمجاهدات»؛ فإذا عمد المريد إلى مرأة قلبه فجلاهاء وذلك لا يكون إلا بأنواع الرياضات والمجاهدات» حتى أزال عنها كل حجاب اجتمع نور البصيرة الكامن فيه مع النور المنبسط من حضرة الجود على عالم الغيب وهو النور الذي يتراءى به أهل الملكوت "؟. إذا ظهر ذلك النور

)١(‏ المطفمين لدي

(0') محمد : 58 .

(*”) فصلت : 6 .

(5) الحج : 45 .

(5) أنظر أيضا : ' التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية * للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي قدس سرهء دار الكتب العلمية» بيروت .

١> ٠

لعين البصيرة» وهو كالشمس للبصرء انعكس الشعاع من عين البصيرة على ساحة القلب كانعكاس الشعاع من العين على المبصرات فينظر إلى عجائب الملكوت» ويشاهد أسرار المغيبات ويعاين رقائق المخفيات . . . . ثم إذا بلغت مرآة القلب قدرا كبيرا من الصفاء وحدا عظيما من النقاء» وانزاحت عنها الحجب الرقطاء؛ وذلك حظ الكمل من أهل العناية الربانية» اتصلت الأنوارء واتكشفت الأسرارء وانفتحت العين الثانية التى فى القلب وهى عين اليقين الناظرة إلى نور

عين البصيرة تنظر بالنور الذي يهدي بهء يقول الهادي جل وعلا : «يتأمًا الِينَ 'مَنُوأ أنهو أله وَامِوأ برشولد- بيك يلين من تَخْيو وَمجْمَل لَك و مََشُونَ يه. ويمْفزَ كم وَألَّهُ حَدُوٌ يِءُ 42 ١”‏ وعين اليقين تنظر بالنور الذي إليه» يقول تعالى : #ايجرى أَلَهُ يورو من يمد (" .

النوران متفاضلان» لا تنفتح عين اليقين إلا إذا اكتمل نور البصيرة .

النوران براق المريد ورفرف عروجه نحو مصادر النور ومواطن الصفاء وأماكن النقاء. إذا اتصل النور الذي يهدي به بالنور الذي يهدي إليهء فكان مقام القلب مقام نور عَلَ نُوَرِ» 7“ غارت الحجبء. وبانت الحقائق» وتجلت الرقائق؛ وحضر الغائب. وغاب الحاضرء وكشف المستورء واستتر المكشوف» يقول الناظم ”* :

فلوبالعارفينلهاعيونذ ترىمالايرىللناظرين

. 58 : الحديد‎ )١( . ”8 : النور‎ )0( ., "8 : النور‎ )9(

واعلم أيضا أن للقلب روح وهو السر . . . . روح القلب هو السرء وبدن السر هو القلب . . . . السر في القلب كالروح في البدن . . . . والخوض في السر حلقة أخرى من حلقات الخفاء والعماء» وباب آخر لا يمكن طرقه إلا لمن كان له إذنء ولا يمكن ولوجه إلا لمن معه أمر. نضرب الصفح عن الخوض فيه. فلكل مقام مقال؛ ولكل مقال حملة وحرمة؛ وإنما ذكرت السر إشارة للمستزيدين واستفاضة للسالكين.

الروح من بين الجواهر الثابتات المفردات

كانت الأرواح صاحبة الأسرار المخفيات من عالمالأمرالرباني قادمات

بالأمرالعزيز'كن'لهاظهرات علىمقاماتثلاثةمُرئبات

ظمينا ركنا وعدا ضهنا اللستخترات أرواح التعظيم هي الأسنى درجات

من العالين المشار إليها في أقدس الخنطابات مطهرّات معتكفات بأشرف الحضرات

مهيمات في جلاله عن سواه غائبات عن ذواتهامشغولات مختطفات

في جمال الجلال حائرات ساكرات عابدات لا بالأمر يبيل بالذات

هي أعلى الأرواح العلوية مقامات مافوقهاإلاذاالهيمنةوالسلطنات

الذي من نور الحق كانت له أببى الطلعات

١.

رحى الموجودات فى مداره سابحات ْ هو أصلها والككل لتسيعهة كالاأشتجات

أرواح التدبير أرواح لكل الموجودات قامت مها صور السفليات وكذا العلويات

فى حضرة الإجمال كانت ككل الكينونات مفصلة عند ال مئان قب ل التجليات

كالحروف الموجودة في أقدس المدادات ثم ظهرت متميزة بصور من شاء من الممكنات

ملهمة. مدبرة».لربيهامنالمسبحات باد تسبيحها أو مستتر عن الاحساسات

أرواح التسخير رسل مكلفات مطهرات ملائكةء لمخلوقاتالحق مسخرات

موكلة على أرجاء الأرضين والسماوات وكذاالهواءوالبيحارالزاخرات

مامن حادث يحدث منالمحدثات إلاوقدوكلبهملك من المسخرات

فللحفظوالاعتناءالسابقات وللتصوير والتم صيالالمقسمات

واللشترعمتين والموزهفب التناتسطات وللإلهاماللمات والملقيات

وللشتقتييفث والمتشزيق القارعنات وللإنباء ولا خبررالمرسلات

ولطلب العلومالشريفةالناشرات دون نسيان السفرة الكرام الكاتبات

١4 *

وكذاالذاريات والتاليات والعاصفات

والتهفباكات والتسنا نات والواجيرات جنود لا يعلم عددها إلا صاحب التقديرات

وكلهاللحيق عابدات مطيعات منهاالقائمات القاعدات المستغفرات

ومنهاالراكعات الساجدات المثنيات على مق علمنا منها باششرق المتحيفات

ومنلم نعلم بغياهب الغيوبات أزكى السلام وأخلص التحيات

وأشرف الاحترام وأقدس الصلوات

تعريف الروحء تماما كتعريف القلب. يكون على ضربين :

هو عند العامة من الناس وأصحاب النظر جسم لطيف بخاري أنضجته حرارة القلب الجسماني» ل منتشر في سائر أجزاء البدن بواسطة العروق الضوارب. سمه إن شئت بالروح الحيواني» لأنه موجود عند جميع الحيوانات ومشترك بينها جميعاء والإنسان إحدى تلك الحيوانات. متى فارق الروح البدن» تعطلت أحوال جميع القوى؛ فسكن ما كان متحركاء وقيل

ليس خطاب الحق جل شأنه لهذا الروح» لأن الأنعام وسائر الحيوانات غير مكلفة ولا مخاطبة بأحكام الشرع؛ وما كلف الإنسان ولا خوطب إلا لأجل معنى آخر وجد عنده زائداء وذلك المعنى». كما سنرى لاحقاء هو نفسه الناطقة .

والروح عند أهل البصائر لطيفة روحانية ناطقة» وجوهر فرد طاهر. أمره عجيب» تسود كك الحقرل كن فو ختد ته وتحار أكثر القلوب والأفهام عن

إدراك ماهيته . منع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من إفشاء سره وكشف حقيقته للعامة من الناس حيث يقول الحق تعالى : 9 وَِسْعَلُونَك عن الروج قل الوح مِنْ أَمَر ٍِ وما تسر يِنَ ألا إلا قبلا 469 ”"' .

صفاته تفوق الأفهام وتتعدى محدودية العقول ولا تعيها إلا عيون البصائر المستنيرة فى غياهب القلوب .

ولما كان الناس قسمان : عوام وخواصء كان التعريف تعريفان. أما العوام فيكفيها التعريف الأول؛ وأما الخواص فسأحاول شرح ماهية الروح وإجلاء أمره بمقاليليق بمقامه. دون تجاوز محدودية هذه الدراسة وخصوصيتها؛ فأقول والله الموفق وهو هادي السبيل :

اعلم أن الأقسام ثلاثة لا رابع لها : جسم وعرض وجوهر. والروح ليس بجسم يحل في البدن حلول السائل في الإناء» ولا هو بعرض يستوطن في الدماغ حلول العلم في العالم» بل هو جوهر فرد لا يقبل التجزؤء منزه عن المكان مبرء عن الجهة. الروح منسوب إلى الحق تعالى حيث يقول جل شأنه : وتَفَحْتٌ فيه ين روج 76" ... . راجع إلى أمره العزيز حيث يقول تعالى : #قُلٍ روح مِنْ أَمْرٍ رق » 7" » وما كان أمر الله تعالى جسما ولا عرضاء تعالى الله عن ذلك علوا كبيراء بل قوة إلهية وأنوار مجردة» وجواهر مفردة ثابتة دائمة ومفارقة للمواد.

الروح من عالم الأمر وليس من عالم الخلق, ولله الخلق والأمر. وعالم الأمر يضم كل ما صدر عن الله تعالى بلا واسطة إِلّا بمشافهة الأمر العزيز الذي هو الكلمة التي لاا يتصور واسطة في حقها؛ وفي المقابل يحتوي عالم الخلق على

)0غ( الإسراء : 88م .

00( الحجر :4؟ .

() الإسراء : 86م .

كل ما صدر عن سبب متقدم من غير مشافهة الأمر العزيز. كل ما تقع عليه بمعنى التقدير أو كذلك بمعنى الإيجاد والتكوين والإحداث. وفي المقابل كل ما من عالم الأمر.

والروح غير مخلوق من جهة» مخلوق من جهة أخرى : هو غير مخلوق بمعنى أنه غير مقدّر بكمية وغير قابل للتجزء ولا للتحيز» وهو مخلوق بمعنى أنه

ورد في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ' خلق الله الأرواح قبل الأجساد ". الخلق هناء والله ورسوله أعلم. خلق حدوث نفيا للقدمء والقبلية قبلية سبق وتقدم . الله عز وجل خالق العالم الجسماني ومبدع العالم الروحاني. ذلك لأن الخلق هو تقدير وتكوين وخاصة للأشياء الطبيعية الجسمانية»؛ وهو تقدير في علم وإيجاد شيء من شيء سابق» كقوله تعالى لحَلمَحْ ين ير © وكذلك «سْحَنَ الى حَلنَ الْأرْوَيَ كلها مِنَا تَِتُ الْأَرْسُ وَمِنَ أَفْسِهِمْ وَمِنَا لا يَعْلَمُونَ © > 50 والإبداع خلق بدون واسطة أو بأناهاء وهو لا يكون من شيء ولا عن شيء؛ فول الحق تسالن :

لبدِيمٌ لوت وَالْأرضٍ وَإدَا مص آنا َإِنَمَا يمول لَمُ كن كيكون (9) 4 ".

8 الروم: الود‎ )١( . يس : و"‎ 0( . ١١ : البقرة‎ )(

١.5

الله جل ثناؤه الخالق» البارئ» المصوّر. الفاطر .

هو سبحانه خالق من حيث أنه مُقَدْر مُكوّن .... بارئ من حيث أنه مُخترع مول ...بعصو م يثك أنهمرتن صوز المشرعات أحسى ع 270 وفاطر من حيث نوره الذي شق به ظلمة الممكنات وفتق به العالم وفصل به بين الصور.

فهو جل وعلا باعتبار تقدير الأمورء وباعتبار التكوين والإيجاد على وفق التقديرء خالق . . . . وباعتبار مجرد الإيجاد والإخراج من العدم إلى الوجودء بارئ . . . . وباعتبار ترتيب صور الأشياء أحسن ترتيب» مُصوّر . . . . وباعتبار الفطرة التي هي النور الذي يشى ظلمة الممكنات في عدمها فتتميز به الأشياء وتنفصل ٠‏ وتتعين به في ظهورها وبفصل بين صورهاء فاطر.

أعود إلى مسألة الروح فأقول :

اعلم أن الأرواح على ثلاث مراتب لا رابع لها : أرواح تعظيم ١‏ وأرواح تدبير ١‏ وأرواح تسخير. لكل منها مقام معلوم. وحد مرسوم» وأمر مبروم. سأتطرق لكل مرتبة من هذه المراتب على وجه إجمالي .

أرواح التعظدم

اعلم أن الملائكة هم الرسل من الأرواح .... كل ملك روحء وما كل روح بملك. وأرواح التعظيم ليست بملائكة إلا أنها أعلى الأرواح العلوية درجة»ء وأسناها مقاماء وأرفعها مكانة .

والمقصود بأرواح التعظيم» وإن كانت الملائكة جميعها مُعظمة لجناب الحق تعالى» الأرواح المُهِيمّة في جلال الحق جل شأنه» العابدة لجنابه بالذات لا بالأمر. :

00

. راجع الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي؛ قدس سره.‎ )١(

لله تعالى أرواح أَوْجَدها في العماء ومَيّمَها في جلاله قبل إبداع الخلق وقبل خلقه. فشغلها هَيمَائُها في جلال جمال الحضرة الإلهية أن ترى سوى الحق تعالى وأن تنشغل بما عاداه.

ليس لتلك الأرواح السنية وجه مصروف إلى الأغيار ولا حتى إلى نفوسهاء لا تعلم أن الحق تعالى خلق الخلق ولا شيئاء لشغلها بالله تعالى. هم عبيد اختصهم الله تعالى لذاتهء فهم فيه هائمون لا يعلمون ما هم فيه؛ وعن أنفسهم غائبون. وعن ذواتهم مختطفون .... في جلال الجمال حيارى» وفي جمال الجلال سكارى . هم الذين أشار الحق تعالى إليهم بالعالين حين توجه بالخطاب إلى إبليس اللعين الرافض السجود إلى آدم المصطفى الأمين» حيث قال أصدق

ص

القائلين : #أسْتَكبرَتَ آم كُنت مِنّ ألْمَاليسَ» 7 . ' العالين " هم أرواح التعظيم المُّهِيمّة التي لم يشملها الخطاب الإلهي با لسجود لآدم عليه السلام . إذا كان فوق كل ذي شرف سنيء وفوق كل ذي علم عليم» فما فوق ' العالين * إلا الروح الكليء أو ما سميته في الفصل الأول من الكتاب بالروح الأمين . مين

والروح الأمين روح جعله الحق تعالى على قِمَّةَ شرف الموجودات». وبوأه أسنى المقامات؛ وأرقى الدرجات وأعلى المنزلات» ليس فوقه روح ولا ملك. أوجده الله تعالى من نوره» وأوجد الوجود منه. وأدار عليه رحى الموجودات». وجعله قطب فلكها. من نوره (الروح الأمين) لبس كل الملائكة مُنَصف بالوجود. فهو سيد المقربين» وأشرف المُبِجَلِينء وأسنى المكرمين؛ أودع الله تعالى فيه هَيْمَنة إلهية وسَلْطنة ربانية فاقت الملك والملكوت وتعدت

)١(‏ ص : هلا.

١4/

البرزخ والجبروت» وقد ظهر بكماله في الحقيقة المحمدية» فللرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام» كما تضمنه معنى حديثه الشريف» حال مع الله لا

يصل إليه نبي مرسل ولا ملك مقرب .

أرواح التدبير ما من شيء في العالم العلوي والسفلي إلا وله روح مخلوق قام به صورتهء ومَكَلَ الروح لتلك الصورة كمثل المعنى للفظء ولذلك الروح المخلوق أيضا روحا إلهيا قدسيا قام به ذلك الروح» والروح القدسي الإلهيء أو روح الروح؛ حلقة أخرى من حلقات الخفاء والبطون نضرب الصفح عنها لمحدودية هذه الصفحات .

أرواح التدبير أرواح مدبرة للأجسام العلوية والسفلية قامت بها صورة تلك الأجسادء هي أرواح كل موجود في عالم الحس والملكوت» كأرواح الأناسي وأرواح الحيوان وأرواح كل شيء؛ فما من شيء إلا وهو مسبح بحمد ربه» ولا يسبح إلا حي ناطق ذا روح .

كانت لأرواح التدبير كينونة وجودية في حضرة الإجمال غير مفصلة لأعيانها ولا متميزة لأنفسها ... . مفصلة ومتميزة عند الله تعالى في علمه وفي حال إجمالها. فمثل أرواح التدبير في حضرة الإجمال كمثل الحروف الموجودة بالقوة في المدادء يقول الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي قدس سره في فتوحاته المكية نفعنا الله وإياك بنفحاتها القدسية : " فلما سوى الله صورة العالم؛ أي عالم شاءء كان الروح الكلي كالقلم واليمين الكاتبة» والأرواح كالمداد في القلمء والصورة كمنازل الحروف في اللوح» فنفخ في صور العالم. فظهرت الأرواح متميزة بصورهاء فقيل هذا زيد وهذا عمروء وهذا فرس وهذا فيل وهذه حية؛ وكل ذي روحء وماثم إلا ذو روح لكنه مدرك وغير مدرك '.

١46

كل جسم في العالم العلوي أو السفلي مقيد إذن بصورة روح ملازم لصورته» وما العالم إلا صور. إذا كانت الصورة متصفة بالحياة الظاهرة وبالموت الظاهرء فروحها روح تسبيح لا روح تدبيرء فما من صورة في الكون إلا وهي ناطقة مسبحة.ء ملهمة. تسبح خالقها تسبيحا مخصوصا لآلا يخلو الكون طرفة عين عن تسبيح خالقه «شيع له له لسوت شيم والاك. ومن قود تإناتن تَْء إِلَا ضيح بترو لكل لا تفْمَهوَ تَنِحَهُمْ إِنَمُ كان ليما عَثُا 469 227

لقد كانت جميع الممكنات في أنفسهاء وقبل منحها الصور وقبل إيجادهاء أشياء ثبوتية» وبتطلعها للوجود قبلت بشيئية الوجود على الحالة التي كانت عليها في شيئية الثبوت . فنقلها الباري جل ثناؤه من الثبوت إلى الوجودء وأقام لها صوراء وألزم صورها أرواحاء وصيرها في حالة شيئية وجودية حية بحياة وجودية ظاهرة أو باطنة» دراكة بادراك وجودي ظاهر أو باطن» ناطقة بنطق وجودي معلن أو مستورء مسبحة تسبيح وجودي استتر أو أعلن» فلولا تجلي الحق تعالى عليها في مجلى العلم الوهبي ما كانت عالمة ولا ناطقة ولا مسبحة ولا مثنية على الله 0 جل ثناؤه؛ إلا أنه تعالى أخذ بأبصار عموم العباد عن إدراك هذه الحياة المبثوثة وهذا النطق والتسبيح الساري في جميع ما في الوجود. فمن الموجودات ما ظهرت علامة حياتها للأبصار وتجلت خصائصها للعيان» ومنها ما أخذ الحق تعالى عنها الأبصار وغيب عنها الأفعال في الدنياء إلا على بعض الخاصة من خلقه. فما استترت علامات حياته واحتجبت عن الإدراك وبطن عن الحواس سمي جمادا ونباتا وغير ذلك». وكان الروح الملازم لصورته روح تسبيح . . . . وما بانت علامات حياته وتجلت للإدراك وظهرت للحواس سمي حيواناء وكان الروح الملازم له روح تدبير . . . . فالكل موقر مثن على خالقه؛ مسبح له من حيث سمعنا أو لم نسمع» والكل ناطق مدرك لعظمة بارئه من حيث علمنا أو لم نعلم .

0 الإسراء‎ )١(

١ث‎

أرواح التسخير

ما من حادث يحدثه الله سبحانه في العالم العلوي والسفلي إلا وكل تعالى بإجرائه ملائكة كرام» حفظة بررة» وتلك الملائكة هي أرواح التسخير.

أرواح التسخير ملائكة» أئ :سل من الأرواح .. أنبياء ملكيون»

لربهم عابدون» بما وصفهم الح تعالى موصوفون» لمقاناتي لا يبرحون إلا

من أمر منهم بأمر فهم له منفذونء كما قال الحق تعالى إخبارا عنهم : #ومَا يآ َال , مام علو © 09

أسكن الحق جل ثناؤه أرواح التسخير أطباق السماوات» وأرجاء الأرضين الشاسعات؛ وقاع البحار الزاخرات» ومستقر المياه السائلات» وأركان الهواء والأفلاك المستديرات . . . . وجندها لإجراء الأحداث الإلهية ولتنفيذ التدبيرات القيومية» حفظا للمملكة الربانية»؛ وتسخيرا لخدمة جميع البشرية. فهي على طبقات عديدة؛ وموكل بها مهام لا تسعها الخطراتء ولا ترقى لها العبارات» ولا تصل لها العبرات. منها حمّال الغيب إلى الرسل والأمناء على الوحي؛ ومنها الوكلاء بالإلهام وإيصال العلوم إلى قلوب المحسنين من المؤمنين» ومنها الوكلاء على الأرحام وتصوير ما يكون فيها الرحمان» ومنها الوكلاء على الأرزاق» وكذا زواجر السحاب» وزواجل الرعود» والمستغفرين لمن في الأرض . . . . كما منها أيضا العاصفات والناشرات عَمّار الأرض التي تنشر أجنحتها لطلبة العلوم الشريفة» والسابحات بالأسواق عُمّار السماء الدنياء والناشطات المسخرة بالترهيب عُمّار السماء الثانية» والصافات عمّار السماء الرابعة» والفارقات مُْمّار السماء الخامسة» والملقيات بالإلهام وَاللْمّات مار السماء السادسة, والنازعات المسخرة بالتشتيت عمّار السماء السابعة. والسابقات بالاعتناء عُمّار كرة الأثيرء والمدبّرات بالأحكام عَمّار الكرسي»

. ١54 : الصافات‎ )١(

والزاجرات عَمّار الهواء» والتاليات عَمّار فلك الثوابت» والمقسمات» والمرسلات ”"' . . . . وكلّها أرواح ملائكية كريمة تحت سلطان ملائكة البروج من الفلك الأطلس» وفوقهم حشود أخرى من جنود أخرى مجندة» ولا يعلم جنود الحي القيوم إلا هو. شعارها حفظ الوجود إنفاذا لأوامر المعبود. وجميعها لله مطيعة وعابدة» فمنها القائمات والقاعدات. ومنها الهائمات الذاكرات» ومنها الراكعات الساجدات ..... كما قال تعالى : #وَلنَه تسد من في السَموتِ وَالْأرْضٍ طَوْصَا ورا وَظِلَلُهُم بالْْدوٍ والآصَالٍ 4 “0 فالساجدفي ادا زاك ماؤنكة كر اوررق تقال الركون الاك صلى الله قلي والط وس الى شأنها : ' أطت السماء وحق لها أن تئطء ما فيها من موضع شبر إلا وفيه ملك ساجد لله " .

لقد أتى الإمام السجاد زين العابدين بن الحسين عليه السلام في دعائه ' في الصلاة على حملة العرش وكل ملك مقرب ' بالصحيفة السجادية الشريفة على ذكر الملائكة المقربة والأرواح المطهرة الشريفة بتفصيل دقيق دال على إطلاع عميق» ما سمعت الأذن أروع من دعاءه الشامل ولا أحسن من قوله الجامع في حقها.

أرواح التسخير جنود مجندة لا يعلم عددها إلا سيدها وخالقها واي وال الله العظيم القائل : را يعلد نود رَيْكَ إِلَّا مو *" والقائل أيضا : «وَللهِ جَُودُ اموت والارض وَكَانَ أله َه ًا حَكيمًا 462 240؛ و بلغ الرسول اا الصلاة والسلام المشير في حديثه الشريف : له محندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف '

. راجع الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين بن عربى» قدس سره‎ )١( . ١6 : (؟) الرعد‎ ١ : المدثر‎ )9(

(5) المتح ل فى

النفس

تعريف النفس يكون على ضربين :

هي عند سادتنا أرباب المجاهدات وأهل التصفيات الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان» والمعنى الحاوي لقوَّتَئْ الغضب والشهوة فيه . هي عندهم أَشدٌ أعداء الإنسان شكيمة وأقواهم عزيمة» مجاهدتها هو الجهاد الأكبر بعينه . لا بد من مراقبتها ومجاهدتها ومحاسبتها وتنقيتها من الشوائب» وإلى هذا المعنى أشار الرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام بقوله الشريف : ' أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ' وإليها أشار ناظم ' البردة " الشيخ شرف الدين أبي عبد الله البوصيري رضوان الله تعالى عليه فقال :

من لي بِرَهُ جماح من غوايتها '

كمايرد جماح الخيلباللججم فلاترمبالمعاصي كسر شهوتها

إنالطعاميَمَوّي شهوةالنهم والتفين كالطظفن مله شي عن ْ

حب الرضاع وإن تفطمهينفطم فاصرف هواهاوحاذرأنتوليه

إنذالهوىماتولى يصِمَأويصم وراعها وفي في الأعسال شائفة 1

وإن هي استحلت المرعى فلا تسم كم عمشسبتيت ليذة ات للستي فعا تدلية ْ

معن نيك مدر أن السك في السدسعم واخش الدسائس من جوع ومن شببسع

دنه ويه فاروسي نعف

١6

واستفرغ الدمع من عين قدامتلأت من المحارم والزم حمحية الندم وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما تح ضاك النصح فاتهم ولاتطعمنهماخصماولاحكما فأنتتعرف كيدالخصهموالحكم كما اصطلحوا على أن كل فعل فيه حظ لكون من الأكوان أو لغير من الأغيار فهو نفسي» يعني أنه من أمر النفس سواء كان ذلك الفعل محمودا أو مذموماء وكل ما ليس فيه حظ إلا للحق تعالى فهو روحي. لا بد من المجاهدة» وغاية المجاهدة تزكية النفس وكسر شهوتهاء ومخالفة هواهاء وتصفية الأخلاق» وتعمير الظاهر والباطن للفوز بالسعادة الأبدية وبالنعيم الدائم. المجاهدة لا تكون إلا مع الرياضة؛ والرياضة رياضتان : رياضة أدب ورياضة طلب . رياضة الأدب غايتها الخروج عن طبع النفس» ورياضة الطلب هدفها صحة المراد به. والفدين فى حتييجها ليس بحت ولا عرض لهي جوخر سي فعالء دَرَّاكء عَلام .... ليست النفس إلا ذات الشيء وحقيقته وجوهره .... جوهر الإنسان نفسه الناطقة. العاقلة. الدرّاكة» العّلامة» الغير قابلة للفساد ولا للاضمحلالء ولا للفناء ولا للموت» بل البقاء خصوصيتها وأهم صفاتها. ليس البدن إلا مركب لهاء تفارقه وتنتظر العودة إليه يوم القيامة» منها يتولد صلاح البدن وفساده» وتتحدد عاقبة المرء ومصيره وخاتمته» ما حسنة فيكون من السعداء وأصحاب النعيم» وإما سيئة فيكون من أهل الشقاء وأصحاب الجحيم . وللنفس أسرار عَلِيّة» ومخفيات غيبيّة أردت أن أتطرق إليها من بعض الوجوه بمقدار الاستعداد» مع قلة الباع وقصور الإطلاع» فأقول وبالله التوفيق :

١64

نفس الإنسان هي ذاتهء أصلهء حقيقته .... بل نسخة من الذات الأصلية الحقيقية . 1

الذوات الأصلية» ذات كل موجودء حقائق لها قدم وثبوت وأحقية في الأزل . . . . حقائق في البرزخ الأعلى سالبة» عاطلة عن الفعل» غير قادرة على الوجود بذاتها . . . .

أقصد بالبرزخ الأعلى كلية من ضمن الكليات؛ ومعلومة من بين المعلومات؛ ذلك أن المعلومات ثلاثة لا رابع لهاء وهي: الوجود المطلق الذي لا يتقيدء وهو وجود الحق تعالى الواجب الوجود لنفسهء والعدم المطلق الذي لا يتقيد أصلاء وهو المحال الذي هو عدم لنفسهء وهو في مقابلة الوجود المطلق. ولما كان لكل نقيضين فاصل بينهماء به يتميز كل واحد على الآخرء فالفاصل الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق هو البرزخ الأعلى» أو سمه أيضا برزخ البرازخ”'» وهو ما اصطلح الناس على تسميته بالعدم .

للبرزخ الأعلى إذن وجه إلى الوجود المطلق ووجه إلى المحال» وفيه جميع الممكنات» أو سمها أيضا جميع الحقائق أو جميع النسخ الأصلية للذوات الحقيقية» وهي غير متناهية . ولهذه الذوات الممكنات في هذا البرزخ أعيان ثابتة من الوجه الذي ينظر إليها الوجود المطلق؛ وليس لها أعيان موجودة من الوجه الذي ينظر إليه منه العدم المطلق. وعلى تلك الأعيان ينطبق اسم الشيء الذي إذا أراده الباري جل ثناؤه قال له : " كن " فيكون. يقول جل وعلا : 8 إِنَّمَا مَوَلنَا

٠‏ إن أ أ تله كل مَكزهُ و74"

الحقائق الذوات» أو الموجودات الممكنات» في عدمهاء أو برزخها

الأعلى» أشياء ثبوتية» حية بحياة ثبوتية» ناطقة بنطق ثبوتي» كانت تتطلع إلى

)١(‏ راجع ' رحمة من الرحمان في تفسير وإشارات القرآن. من كلام الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي ٠"‏ جمع وتأليف محمود محمود الغراب .

. 4١٠ : النحل‎ )0(

١ 6

الوجود طالبة من الباري جل ثناؤه بلسان الحال أن يرحمها ويخرجها من عدمها ويلبسها حلة الوجود. فيرحمها الحق تعالى بإيجادها وإلباسها خلعة الوجودء ذلك أنه لولا الجود الإلهي لما كان الوجود.

ربما يكون ذلك وجه من وجره تفسير قوله تعالى : 8هُوَ الَتِى © ”'". فالصلاة المضافة إلى جناب الحق جل ثناؤه صلاة بالمعنى الشامل» وهي الرحمة الإلهية. ' هو الذي يصلي عليكم ' أي يرحمكم بأن يخرجكم من ظلمات العدم والبرزخ الأعلى إلى نور الوجود . . . . من ظلمات الضلالة إلى نور الهدى . . . . من ظلمات شيئية الثبوت إلى نور شيئية الوجود. #وقَدٌ

وتلك الموجودات التي تكرم عليها المنان سبحانه وتعالى وأوجدها هي للذوات الحقيقية وللأعيان الأصلية التي يتضمنها البرزخ الأعلى بمنزلة الظلالات للأجسام؛ فإنه ما ثمة حضرة تخرج إليها. وما سميت ظلالات إلا تمييزا للمراتب وفصلا وتفريقا بينها وبين الثبات المطلق في الوجودء وهو الحق تعالى» وبين ما له الثبات المطلق في العدم وهو المحال.

تلك الحقائق أو الممكنات المندرجة في العدم أو البرزخ الأعلى هي النفوس والأعيان الثابتة في العدم؛ منها ما لا تطلب الظهور ولا الوجود» فتبقى في وجودها الثبوتي عدما ولا يجعل الحق تعالى لإسمه الظاهر سبيلا إليها؛ ومتهااها تتظلع إلى النازي ل ثاوه طالية أن برخمها بإيجادهاء فلم يتجلن عليها وتقبل شيئية الوجود تقبله على الحال التي عليه في شيئية الثبوت . تقبله بجميع نعوتها وصفاتهاء وليس نعتها سوى عينها. فالحق تعالى لا يقلب حقيقة أحد ولا يقهر أحد على غير طبيعته. كل حقيقة منعوتة في حال وجودها

. 57” : الأحزاب‎ )١(

١65

بالنعوت التي كانت عليها في حال عدمها؛ يقول الحق تعالى : ما بَِدَلُ امول

ند وآ آنأ يظئّر لَمِيدِ و4 ”" .... طوبا رَبّْكَ طلم لَلَحِيدِ» '" . «وَأنَ أَّهَ لِيْسَ بِظَلَام لِنسِيد» ””" .

على مس

النفس ظِل لذاتها الأصلية . . . . النفس نسخة من ذاتها الأصلية.

كل النفوس نسخ من ذواتها الأصلية التي كانت حقائق أزلية في العدم .... حقائق سالبة» قابلة» مفتقرة» لا فعل لها ... . مجرد أعيان ممكنات كانت في كينونة عدمية ثبوتية ناطقة بنطق ثبوتي» مدركة بإدراك ثبوتي» وسامعة بسمع ثبوتي لا وجود له. فلا يؤمر إلا من يسمع بسمع ثبوتي أو وجوديء وما يمتثل إلا من يدرك الأمر بإدراك ثبوتي أو وجودي . . . . يسمع ويمتثل للأمر الإلهي العظيم * كن " بالمعنى الذي يليق بجلال الحق تعالى. فللممكنات إدراك في حال عدمهاء والحق جل ثناؤه يأمر الممكن بالتكوين فيتكون, ولولا أن له حقيقة السمع والإدراك لأمر الحق تعالى إذا توجه إليه ما امتثل وما تكون. لكن مع سمعها وإدراكها الثبوتي فإن الأعيان في عدمها ملازمة منذ الأزل لخصائص الاحتياج والافتقار والعبودية» تعرف الواجب الوجود سبحانه لذاته معرفة ثبوتية» وتسبحه وتمجده بتسبيح أزلي وتمجيد قديم ذاتي وهي لا عين لها موجودة ولا حكم لها مفقودة. 9إوإن يّن شَنْءِ إِلَّا مي بجو ولك لا تَفمَهونَ َبيِحَه »4 214

الله سبحاتئه هو الوجود المطلق 8 ظ2ظ مافي الوجود إلا الله تعالى وأسماؤه وأفعاله؛ فهو الأول من الاسم الظاهرء وهو الآخر من الاسم الباطن» جل ثناؤه وتقدست أسماؤه. لا إله غيره ولا موجود سواه 0 هو سبحانه

. 5989: ق)١(‎

(؟) فصلت : . (*) آل عمران : ١87‏ . (5) الاسراء : 44 .

واجب الوجود الذي لولاا جوده لما كان الوجود 0000 يستحيل عليه المحال وينتفي عليه العدم د سو انين توصوت د 000 00 ا ل

9 و2

ان

ما سوى الوجود المطلق إما محال أو برزخ أعلى . . . . ما سوى الحق تعالى إما محال أو عدم .. . . المحال عماء» والعدم غير معدوم .... العدم كينونة من نوع ماء كيئونة برزخية علوية لها وجود ثبوتي مقابل للوجود المطلق مقابلة النور النوراني للنور الظلماني؛ مقابلة نور الأنوار للعماء»ء ومقابلة الفاعل للقابل والشمس للمرأة.

العدم كلية من الكليات مندرجة تحتها حقائق . . . . تلك الحقائق هي الذوات . . . . الذوات هي النسخ الأصلية للنفوس . . . . النفوس في الوجود ظلال ونسخ للذوات الأصلية “0 الذوات أعيان ثابتة في الأزل» عاجزة متطلعة للرحمة الربانية بأن تلبسها لبسة الوجود.

الحق تعالى مخرج برحمته كل ذات من عدمها وملبسها خلعة الوجود. وجاعلها محلا لتجليات أسماءه الحسنى وصفاته العليا. يرى سبحانه ذوات الأعيان في حال عدمها في شيئية ثبوتها كما يراها في حال وجودهاء لأنه تعالى نأف حعه غني»- فكل حال لد هتهادة : يتجلى سبعانه للاشياء التى يريك إيتجادها في حال عدمها من اسمه النور الذي يشق به ظلمة الذوات الممكنات ويفتق به العالم» فتتميز بنوره الأشياء وتنفصل وتتعين به في ظهورهاء ويفصل بين صورها.

تقدم ذكر أن النفس نسخة من الذات الأصلية الحقيقية» واعلم أيضا أن )١(‏ البقرة : ه

١ مه‎

لهذه الذات الأصلية إحدى عشرة نسخة» النفس نسخة من ضمن تلك النسخ

أودعها الحق تعالى أرض البدن. يقول عز وجل : ينم تأ كل ننين مُحَديِلٌ عن نَقِيبَا وَيُوَقْ كل نفس نا + عَيِك وَهُمْ لا بظكموت 462 17

والخوض في حقيقة الذات وفي نسخهاء أين هي ؟ ما وظيفة كل منها ؟ .. . . وما شابه ذلك من الأسئلة غورص في محيط عميق من الأسرار الربانية والمخفيات الملكوتية لا تسعها عقولنا المحجوبة ولا تطالها قلوبنا الكدرة المظلمة؛ أسأل الله تعالى الفتح الرباني والمن الصمداني في ذلك إنه سميع مجيب . لكن عليك أن تعلم أن من أفضال الرحمة الإلهية أن جعل عالم الشهادة على موازنة مع عالم الملكوت؛ وربما كان الشيء الواحد في عالم الشهادة مثال أشياء عديدة من الملكوت» وأقصد بالمثال إذا ماثله نوعا من المماثلة وطابقه شيئا من المطابقة» وإحصاء تلك المماثلة وحصر تلك المشابهة شيء يفوق الأفهام البشرية ويتعدى المدارك الإنسانية» لا تفي لإجلائه الأعمار القصيرة ولا ترقى له الهمم الجليلة» وإنما عرجت عن ذلك تلميحا لتعلم أن هذه النفس المودعة في أرض البدن نسخة من ضمن نسخ عديدة لحقيقتك الأصلية الأزلية» التي ليس لها من الصفات إلا الافتقار والاحتياج» وليس لها من الميزات إلا العبودية والقابلية؛ وليس لها من الخصوصيات إلا السلبية وعدم الفاعلية» وليس لها من الأفعال إلا الإضمار والنوايا.

الحق سبحانه وتعالى يقضي على النفس بما يطابق نيتها وبما يتماشى وإضمارها. النفس تنوي وتضمر والحق تعالى ينفذ ما تنوي» ويشاء عين ما تشاء لنفسهاء ليكشف ما كتمت» ويعلن ما خبأت» ويظهرها على حقيقتها أمام نفسها .إن أرادت أن تعصي يقول لها الحق تعالى خذي الوسائل اللازمة من يد وعين ورجل وغيرها لتنفيذ ما أضمرت من المعصية وعليك إثم نيتك» وإن

١١١ : النحل‎ )١(

أرادت أن تطيع يقول لها الحق تعالى خذي الوسائل اللازمة لتنفيذ ما أضمرت من الطاعة ولك ثواب نيتك؛ لذلك فهي تحاسب #كُل تين بمَا كَبْتَ رهن 49 "2 وهي التي إليها يتوجه الخطاب الإلهي؛ وهي التي لها سياسة البدن وتدبيره» وهي التي بها صلاح الجسد وفساده. والحق تعالى» بحكم إحاطة علمه المطلق بكل شيء؛ عالم مسبقا بجميع الاختيارات» ومُطْلِع سلفا على جميع النوايا . . . . هو الفاعل في حالتي الطاعة والمعصية . . . . هو النافع وهو الضار . . . . هو الرافع وهو الخافض .

فعغل النفس محصور في النية» لا يتجاوز الإضمار ولا يتعدى التوجه بالإرادة؛ ذلك أنه لا يقع فعل ولا يحدث حادث ولا يطرأ طارئ في أرجاء السماوات والأرض ولا فى مكئون الملكوت ولا فى غياهب الجبروت إلا بمسبق علمه تعالى» وبحكم إرادته سبحاته» ولع ا وي مَفَاتِعْ لت لا يمآ إلا هر وي ما مَا ف ألَرَ وَالبحْرٌ وَمَا شفط ين وَرَقَةٍ إِلّا يَمَلَمُهَا ا حَبَّة في طلم الْرْضٍ ولا رظب ولا يبسن إِلّا فى كتلس تين (©4 ''".

7 مستور في أعماق السرائر دون قلب حقائق ولا تدخل في رقائق» ولا تجاوز إضمار ولا تعدي على اختيار؛ إلا إذا أرادت النفس تَدَحْل الله فخلعت عنها اختيارها. وتجردت من حولهاء وتبرأت من إرادتهاء 0 ا بائعق» مسلمة : طإوّ أنَهَ مكرك مرج التؤييت أنفسهع وَأمَوكم يأنكت

جد الصدد»ه © , إذا أسلمت النفس نفسها بنفسها إلى بارئهاء وخرجت من نفسها بنفسهاء وخلعت عنها حظوض نفسهاء وقَدّمت ذاتها راضية مختارة إلى بارئها . . . . إذا فعلت ذلك فهو موتها قبل الموت» وقتلها لنفسها تطهيرا )١(‏ المدثر : 8" .

6 الأنعام 8 (") العوية: ١١١‏ .

ع5آا

لإضمارهاء وتنظيفا لسريرتهاء وتزكية لنيتهاء كما قال موسى عليه السلام لقومه : لقَتُوبوا إل باريكم كاقلا أنشك كَل حب لك عند اريك كنَابَ عَليَكمْ إِنَهُ هُوَ راب اليم » ”7 .

ذلك مقام لا تبلغه إلا النفوس الزكية ولا تصل إليه إلا الذوات الأبية. أن تَعْطِي ربك طوعا واختيارا أثمن ما تملك : حقيقتك وذاتك .. . . مُتخطيا مقامات التوكل» واليقين» والتسليم» وعروجا إلى مقام الفناء بين يدي الحق جل ثناؤه» فذلك قمة التوحيدء وذَّرْوَة المعرفة التى تكافئها الحضرة الإلهية بأعلى درجات التكريم» وأرقى مقامات التشريف. لتلك النفوس الطاهرة الزكية» والذوات البشرية الملائكية» يتوجه خطاب الحضرة الإلهية من أعلى المقامات

القدسية :

تجَرّذتممنالحولالفاني خلعجعمالحظوظ والأماني سقط عنكم سؤال الرب للجاني لا تسعكم فردوسي ولا جناني للشبتلد كي عطقي احمانى لكمبعدالمزيدمَزِيدًثاني لكم فيهمالا يخ طبالينان نعيمبعدهترتيل لقراأني

والقيقم الرسوم والأواني ليكون الفناء بين يدي الرحمان وذهب تكليف الإله للعبد الفاني أدخلوا حضرتي وإيواني ويعبر ةس احتكاسن ولا ترقى إليه الخواطر والأذهان ثم كرامة رؤية الجليل الديان

واعلم أيضا أن النفوس مُذْ تجلى عليها الباري جل ثناؤه وأخرجها من

العدم إلى الوجود, لم تزل مسافرة ومتنقلة من موطن إلى موطن وليس لها خط إلا في الجنة أو في النارء وكل جنة ونار بحسب أهلها. والمواطن وإن تعددت

. 04 : البقرة‎ )١(

١ا5ك١‎

فهي ستة : أولها موطن ' ألست بربكم أو سمه إن شئت موطن الميثاق أو عالم الذر أو يوم الاستنطاق ... . وقد انفصلنا عنه. والثاني موطن الدنيا التي نحن فيهاء وهي محل التكليف ودار الابتلاء والعمل بلا جزاء. والثالث موطن البرزخ الذي تصير إليه النفوس بعد الموت الأصغر والأكبر. والرابع موطن الحشر بأرض المحشر . والخامس موطن الجنة أو النار» وهي دار الجزاء يعد الابتلاء. والسادس موطن الكثيب خارج الجنة» وهو مقام الزيادة بعد المن والعطاء .

للنفس كينونة وجودية وطور نورانى سابق على البدن» وهذه الأسبقية ليست تناسخا كما أشتهر عند بعضهمء. وا وس كنا مره عن لكي ولا تعدد ولا استجاب قدم .

لقد كانت النفس في موطنها الأول في أحسن تقويم قبل أن ترد أسفل سافلين في حشوة الطين والماء المهين : اَعَد حلفا لانن فد أَحَسَنٍ تتويع (ي) ثم رَدَدْنَةُ أَسَفَلٌ سين > ('؟. أسكنها الحق تعالى العندية الإلهية» وأوردها أرجاء الأنوار السنية» ونَعُمها بحضرة إطلاقية أين المعارف العينية والمواقف الشهودية . حضرة تَجِلّت فيها الأسرار وتَبدّدَت الحجب للأغيار . . . . حضرة أوقف الحق تعالى فيها كل النفوس الآدمية وأشهدها على أنفسها فشهدت وأقرت له تعالى

2 4

بالربوبية» وإليها الإشارة في قوله سبحانه وتعالى : #وَإِدْ أَحْذٌ رَيْكَ مِنْ بَوَ مَادَمْ من

ظَهُوره دُريتهُمْ تتم عل شيم لست يِرَيَكُم قالوا ب سَهدَنا أت توا يم اليم إن حكُنًا عَنَ هَذَا عَنلِينَ (©) أن تَعُولُوا إنا أتركَ َابَآوْنا ين كَبْلُ وحكنا ديه ين بعدِهِم أَفَكنا يا مَل المبطِنوت 49 *"2. وفي قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها اثتلف وما تناكر منها اختلف ".

(1) العين: :4 كه

. ١ا/"“‎ . ١797 : الأعراف‎ )0(

6"

وحول هذا الموضوع أحاديث عديدة مستفيضة رواها العامة والخاصة .

كانت النفوس في طورها النوراني صافية» لطيفة. مشعة قبل إيداعها أرض البدن وإنزالها تفصيلا من حضرة الجمع إلى حضرة الفرق . . . . من أنوار اليقين إلى ظلمات الرحم والماء المهين في هيكل اللحم والطين هر إطلاقية الحضرة إلى أسر البدن . . . . من المعرفة العينية اليقينية الشهودية إلى الجهل الظني الحجاجي الريبى . . . . من الصفاء واللطافة والنقاء إلى الكدورة والثقل والغفلة . . . . إلى أسر الرغبة وسجن الشهوة وقهر النزوة ونفوذ الحواس واختيال الشياطين وحكم الدنيا 5*5 إلى غفلة على غفلة. وحجاب فوق حجاب. وظلمة على ظلمة. ومن لم يجعل الله له نورا فلا نور له.

في أول تعلقها بالبدن وفي بداية اتصالها بالدنيا تكون النفس جوهرة فطرية حنيفية ساذجة» غير منقوش فيها لا خير ولا شرء بل قابلية مطلقة للصورء كما أخبر الرسول الأمجد صلى الله عليه وآله وسلم حين قال : ' كل مولود يولد على الفطرة إنما أبواه يُهوّدانه أو يُتصّرانه أو يُمَجسانه ' وكما قال أيضاء عليه وآله الصلاة والسلام : ' خلق الله الخلق حنفاء فاختالتهم الشياطين ' . فإذا تعلّقت النفس بالبدن» وما تعلقها إلا تعلق إقبال دون حلول أو اتصالء» وإذا د ركاف قير العناء وليه ضُرِبَتْ عليها الحجب لتصير ساذجة غير متمكنة؛ قابلة للصورء مستعدة للإلهام بالفجور من الشيطان وأعوانه أو بالتقوى من الديان وجنوده. وإِلّْا فهي في جوهرها مُجْمَل في أعماقها كل العلوم اليقينية: مجموع في داخلها جميع العقائد الفطرية» بحيث لا تحتاج إلى شيء من خارجها إلا من يساعدها على إزالة الحجب المسدولة» ورفع الستائر المسبلة» والتخلص من الحواجز الموضوعة.

النفس الناطقة قابلية صرفة تتفاوت عمقا من بشر إلى آخرء وما نراه من تعدد المظاهر الإنسانية وكثرتها وتشعبهاء هو نتيجة لتجلي الصفات والأسماء الإلهية في القوابل النفسية بحسب استعدادها ومزاجها وتهيئها وحضورها.

١7

والحق جل شأنه بوسْعِه وبسعّة مداده ومدده ما تجلى لنفس مرتين بنفس الكيفية» ولا بنفس الكيفية لنفسين . وما التجلي إلا عين التنزّل من الإجمال إلى التفصيل . فالعلم يكون في النفس مجملاء ثم بعد ذلك يقع تفصيل المعارف بالتذكر والتعلم. فما شأن النفس في هذا الموطن الدنيوي إلا التذكر والتفكر والتحفظ والشيي والروية؟ فهي قابلة لجميع العلوم لا تمل من قبول افون اللسكندة المركوزة فيها من قبل بالقوة. فإذا تذكرت وأقبلت وتعلمتء. واستنارت واستفادت ظهرت تلك الصور التي بالقوة فصارت عقلا بالمعل .

بين النفس والروح

هل النفس والروح شيء واحد أم شيئان مختلفان ؟

حول هذا السؤال اختلف الناس منذ القديم وانقسموا إلى شقين : فمن قائل إنهما شيء واحدء ومن قائل إنهما شيئان مختلفان.

القائلون بواحدية النفس والروح جمعوا بينهما في اللفظ لكن فرقوا بينهما في الحقيقة والكنه. جمعوا بينهما جمع لفظي» لكن في الواقع قالوا بفرق ذاتي وصفاتي . فمنهم من قال بأن للنفس جانبان» جانب روحاني وآخر حيواني : نفس روحانية تفارق الجسد عند النوم وتعود إليه في يقظته» وبها يقع التمييز؛ ونفس حيوانية بها تكون الحركة والنفس (بفتح الفاء»» لا تفارق الجسد إلا عند الموت . ومنهم قائل بأن النفس الإنسانية هي عينها الروح لكن في حالة إطلالتها على عالم المادة والمكان والزمان. فوفاة النفس عندهم تعني فقدان الروح لتلك الإطلالة وبالتالي فقدان النفس التفاعل مع عالم المادة من شهوة وهوى وغير ذلك وعودة الروح إلى عالم ما فوق المادة والزمان والمكان. موت النفس الإنسانية عندهم هو فقدانها لهذه الإطلالة وبقاء الروح في عالم ما فوق المادة”'" .

)١(‏ راجع ' النظرية الثانية : القدر . نظرية قرآنية في مسائل القضاء والقدر ٠"‏ للمهندس عدنان الرفاعيء دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر 09

54

والنفس عند الشق الثاني» وهو ما أراه» ذات مختلفة عن الروح وجوهر مستقل منفرد بخصائصه وبمميزاته . وهذا الرأي قال به ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حيث اعتبر أن ' النفس هي التي بها العقل والتمييز» وإليها يتوجه الخطاب» وهي تفارق الإنسان عند النومء وتعود إليه عند اليقظة . والروح هي التي بها النفس والحركة والحياة» لا تفارق الإنسان إلا عند الموت " ”''.

النفس نفس» والروح روح : جوهران مختلفان» على البدن وافدان» له ملازمان» وظائفهما في هذه الحياة الدنيا متكاملتان» لكل منهما صفاته ومميزاته الخاصة .

الروح مِنّة من المئّان وهِبّة من الوهاب مرتبط بها سر الحياة» ذلك أنه ما من شيء في هذه الحياة الدنيا إلا وله روح قام به صورته. والحياة مشتقة ومستعارة من الحي» يعيرها سبحانه إلى من يشاء من مخلوقاته؛ متى شاءء ويسترجعها متى شاء . فمّكَل الحياة الدنيا والآخرة كمَكّل الظل الزائل والأصل الباقي . . . . الحياة الدنيا ظل زائل والآخرة أصل باق . ْ

الروح إما روح تدبير أو روح تسبيح» وفي كلتا الحالتين هو ناطق مُسبّح بحمد ربه عالم بمستحقاته. حافظ لحدوده. مطيع لأوامره؛ لا يثاب ولا يعاقب لأن ليس من أفعاله الإساءة» قابل للفيض من الروح الكلي الكامن فيه سر الجبروت ورقائق الملكوت .

الروح مجانس للملكوت والملأ الأعلى في صفائه ونورانيته» دائما مجذوب إلى الحق تعالى؛ جاذب النفس إلى العلو. هو عند الإنسان صورة انعكاسية للنفخة الربانية عند التسوية البشرية : #هَإِدًا سَرَسُمٌُ وَبَفَحَتُ فيه من رُوجى

ره 2

دير م »4

اس جه )0 َفَعوأ لم سَلِِدِينَ (9)* 2 .

)١(‏ راجع : " رحلة الحياة . الإنسان بين العمل والأمل والأجل ٠"‏ أ. هشام عبد الرزاق الحمصيء. دار الكلم الطيب» دمشق . بيروت . . 0( الحجر ا

يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في عبارة قيمة؛ جامعة» وجيزة: * الروح في الجسم كالمعنى في اللفظ ' . الروح شمس تضيء على الإنسان يظاهره وباطنه . . . . الروح في الجسد مثل الشمس في ماء البئر تظهر فيه دون أن تتحيز. وجسد الإنسان آلة للروح وخادم له؛ وليس محل ولا مكان له. إذا فارق الروح الجسد تعطل نشاط مجموع القوى في الإنسان وسكنت حركته (الجسد) فسمي ذلك السكون موتا.

والروح هو الذي شبهه الشيخ أبو حامد الغزالي رضوان الله تعالى عليه * بالسراج المشتعل الموضوع في زجاجة القلبء. والحياة ضوء ذلك السراج»ء والدم رهنهء والحس والحركة نوره. والشهوة حرارته» والغضب دخانهء القوة الطالبة للغذاء الكائنة في الكبد خادمه وحارسه ووكيله؛ وهو الموجود عند جميع الحيوانات» وهو الذي لو يزيد الدم ينطفئ ذلك السراج بزيادة الحرارة» ولو ينقص ينطفئ بزيادة البرودة» وانطفاؤه سيب موت اليدن " .

النفس جوهر فردء مركوز فيه بالقوة جميع العلوم والمعارف» قابل لجميع الصور المعقولة المجردة عن الحس بقوة طهارته وصفاءه. هي أميرة كل القوى الكامنة في الإنسان ورئيستها؛ الكل خدمها لرغباتها مطيع؛ لمطامحها ملب» لأوامرها منفذء لإضمارها مجسدء ولنواياها مخرج من القوة إلى الفعل.

النفس الإنسانية بنطقها وإدراكها وسعيها جوهر الإنسان وزينته» شأنها رفيع ومقامها شريفف؛ ألا ترى أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قام إجلالا لها وتعظيما لشرفهاء حيث أثر عنه عليه وآله الصلاة والسلام أنه قام لجنازة يهودي» فقيل له " إنها جنازة يهودي " فقال " أليست نفسا ' .

إذا كانت الروح كالشمس في الجسدء فإن النفس كالقمر يتجلى فيه ضياء الشمس ويظهر فيه إشراقها. وهذا القمر متأرجح بين البدر والهلال : يكون بدرا مكتملا عند غياب كل الحجبء. ويكون هلالا محدد حجمه وظاهر نوره بالقدر الذى ترول يذ تلكا الحجت.

مفارقة للملكوت والملاً الأعلى؛ مجانسة للملا الأسفل» موصوفة بالكثافة» معروفة بالغلظة. منعوته بالقذارة .

الإنسان مجمع الأضداد حيث يجمع بين قوى نورانية» لطيفة» صافية» ملكوتية علوية» تجذب إلى الأعلى وتحاول العروج بالنفس إلى عليين موطن الطهر والصفاء والنقاء والربح المبين؛ وقوى أخرى ظلمانية» كثيفة» غليظة؛ ملئية سفلية» تسحب إلى الأسفل وتحاول التدني بالنفس إلى أسفل سافلين موطن الهوان والسفالة والخسران المبين. يمكن جمع القوى الساحبة إلى الملا الأسفل في أربعة قوى هدامة رئيسية : الهوى». الجسد.ء الدنيا والشيطان.

إلا أن أخطرهاء وأصعبها مراساء وأشدها شكيمة هو الهوى؛ وما الهوى سوى عين إرادة النفس إذا خالفت ميزان الشرع الذي وضعه الحق سبحانه في هذه الدنيا. وللهوى قوة قهر وسلطان كبيرء ونفوذ أكبرء فالنفس لا تميل للشيء طلبا للسعادة والنعيم أو تجنبا للشقاوة والجحيمء إنما تأتيه لمجرد ما عليه ذاتها من الربوبية الأصلية المتجذرة في جوهرها. الهوى أخطر معبود عبد من دون المعبود الحقيقي سبحانه» يقول الله تعالى : لأأهرمَتَ من أحَحَدَ لهم هونه وَأصَلَّهُ أنه عَلَ عِأِْ”'2. ويقول الرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام في شأنه : ' لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه متبعا لما جئت به ' .

دعوة واضحة وصريحة منه صلى الله عليه وآله وسلم لتأطير الهوى ووضعه في مسلكه الصحيح السليم؛ فهو عليه وآله الصلاة والسلام لم يدع إلى قتل الهوى. فذلك محالء وإنما إلى تنقية مصرفه» وتعديل مسلكه. وحسن توجيه قبلته نحو المعبود الأوحد. وهذه نقطة اختلاف الطريق الإسلامي الرباني الصحيح عن السبل والطرق الأخرى. ففي حين سعت الطرق الأخرى إلى قتل

. 5" : الجاثية‎ )١(

١"1/

الشهوة وذبح الرغبة» دعى الإسلام إلى الإبقاء على الشهوة والرغبة» لكن مع ضرورة تأطيرها وحسن تصريفها. فما السجود مثلا إلا وسيلة من ضمن الوسائل؛ وتصفية من بين التصفيات» وتجرد عن الأنا ودعاويها وكبريائها. وما الصيام إلا وسيلة من ضمن الوسائل» وتصفية من بين التصفيات» وتجرد عن اللوازم الجسدية. وما الزكاة إلا وسيلة من ضمن الوسائل وتصفية من بين التصفيات» وتجرد عن حب التملك . . . . والحديث عن هذا يطول ويخ رجنا ال

أعود فأقول : يمكن أيضا جمع القوى الجاذبة إلى الأعلى في أربعة قوى رئيسية : الروحء هدي الرسل والأنبياء والأئمة» العقل إن سلم», والقلب إن تطهر .

والعقل أفضل ما أودع الحق تعالى في الإنسان فأكمله في من شاء وأحب سبحانه» فهو حجة الإنسان الباطئة حيث يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : ' إن لله على الناس حجتين. حجة ظاهرة وحجة باطنة» فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة. وأما الباطنة فالعقول )١7 ١‏

ما جعل لنا الله تعالى العقول لكي نفكر بهاء فكل المعارف والعلوم مركوزة بالقوة في غياهب النفس يكفي أن نتذكرهاء إنما جعلها (العقول) لكي نردع بها النفوس عن الميل إلى الهوى,» وإتباع المنى» والركون إلى الدنياء والتوجه نحو الشهوة؛ والاستجابة إلى الشياطين. والعقول نوعان : محجوبة وغير محجوبة. العقل المحجوب عقل مكبل أسير. سجنته الحجب بكثافتهاء وحاصرته بظلمتهاء ومنعته من الاتصال بأنوار الحقائق» وأوقعته في أسر الهوى. وجعلته عبدا من عبادها منصاع لأوامرهاء ملبي لرغباتها ونزواتهاء فاقد للتمييز؛ مختل التوازن» فهو بذلك مركب هلاك بدل سفينة نجاة» وحجة على الإنسان

. تحف العقول عن آل الرسول ص 1880.» الحراني‎ )١(

4كا

عوض أن يكون حجة له؛ وعامل من عوامل السحب إلى الأسفل بدل الجذب إلى الأعلى .

أما القلب فهو مرآة للتجليء له حالة شبه برزخية حيث يطل على كل ما يرد على الإنسان من واردات إلهية نورانية وخواطر غيرية شيطانية ظلمانية. متى كانت مرآته مصقولة مجلاة كان من القوى الجاذبة إلى الأعلى» ومتى كانت مراآته مطموسة كدرة فقد مكانته الشريفة وأصبحت درجته وضيعة» فصار من القوى

الساحبة إلى الأسفل .

مثل قوى الجذب إلى الأعلى وقوى السحب إلى الأسفل كمثل الثلج والنار - جمعتا برحمة الله تعالى في الإنسان» أو كمثل بحران يلتقيان ولا يمتزجان .... بحر نور الإلهية وبحر هوان العبودية. والنفس في اطراد مستمر وحركة ام ا ل مر ل ور امود ونجى ومن دساها غرق وهوى #وَتَفْين وما سونها ري مج أهْمَهَا ورا وتَقْوِهًا 9 قَدَ َم يها و وقد حب من دَسَنهَا هم » 2 . هي التي لها السياسة والتدبيرء والعقل والتمييز؛ والنطق والكلام؛ ليس من شأنها سوى التذكر والتحفظ 0 اراليا حي خظاب لمن مان . هي التي تحاسب : #كل تفي ينا نَبتْ به )4 ”" فإما روح وريحان وجنة نعيمء إن كانت من زمرة 56 الوا ب كو انر ااا ب ليان التي مز جيه والجراج بل الحرات راعناف المدكراكة | و باقتراف المنكرات وترك الخيرات : #إنَّ أَلنَفْسَ لَأَمَّارَة بألشي إِلَّامَا يَحِمَ عر ا وهي الرادعة بلومها للجوارح والجسد : #ولآ أَقيمُ لتقيس الام 4 ١.“‏

7 : الشمس‎ )١( المدثر : م‎ )0( . 67 : يوسفف‎ )( : القيامة‎ )5(

ل

ال ب را را 0 الحسنات : #يَأيَها النفس الْمطمِينّةٌ < 0 أرج إِلّ ريك َاصبةٌ مويه (ج0) 62 دل فى ينيك (©) تنش عت وه » 0.

ولفظ الروح والنفس كلاهما ورد مضاف إلى الحق سبحانه في القرآن الكريم» كقوله تعالى في شأن الروح مثلا : #فإذا سيم ونفحت فيه ه من روج ممَعوأ لم سَحِدينَ 49 ''' أو كذلك : «وَكلِمه مها إل مَرَيّ وح عن َك وفى شأن النفس مق > « رشؤي أنه نمه يكو باليتار4 210 وكذلكف قوله تعالى على لسان عيسى ابن مريم عليه السلام : # تَمَلم ما فى تفيبى ولآ أعلر مَا فى نفك إِنَّكَ أَنتَ تعر عسوب # 227

إن إضافة كلمتي الروح والنفس إلى الحق تعالى لا تعني أن هذان الجوهران جزء من الذات العلية» تعالى الله علوا كبيرا عن الشبيه والمثيل وعن الند والنظير. واعلم أن المضاف إلى الحق تعالى يكون على ضربين : إما صفات لا تقوم بذاتهاء إذا أضيفت للحق سبحانه تكون بمثابة إضافة صفة لموصوف بهاء كالكلام والسمع والبصر والعلم وغير ذلك من الصفات . 0 يقول الحق سبحانه وتعالى مثلا : «وَإِنْ أَعَدُ من الْمفركنَ اسْتَجَارَكَ جره دك ا 0-0 كو ابلق مم4 00

وإما أعيان منفصلة عن الذات الإلهيةء كالبيت والناقة والأرض والرسول :مثلا : كقول الحق تعالى مثلا : «أن طهرا ب للطايفين وَالْمَككفِينَ يكم السجود © .. . «هدزي اكه أله كم ايد َدَرُوهَا تَأَكُلّ

)١(‏ الفجر : 539 . "٠‏ . (7) راجع ' النظرية الثانية : القدر . نظرية قرآنية (9؟) الحجر : 59 . فى مسائل القضاء والقدر ٠"‏ للمهندس (7) النساء : 31 . عدتان الزقاضي» :دار الفكر ا

(5) آل عمران : ”٠‏ . (00 التوبة 5 2.25

(0) المائدة : ١١5‏ . (6) البقرة : ه

١/6

ف أنِْ الوه ' .... طقل يَيهًا آلنّسشْ إن يسول مه نكم جِيتا74" .

فهذه الكلمات مضافة إلى الله تعالى إضافة تخصيصء. أي أنه تعالى أضافها إلى اسمه الكريم إضافة تبين خصوصية خلقها وميزة صنعها.

إن إضافة كلمتي الروح والنفس إلى الحق تعالى» وغيرهما من الكلمات» لا تعني أنها جزء معطاة من ذاته العلية» ولا شيء مقتطع من ماهيته سبحانه. مثله من توهم ذلك» وشبهه من ظن ذلك» وجسده من اعتقد ذلك» والحق سبحانه فى علياءه أحدء فردء صمدء متعال عن كل شبيه ونظير» بعيد كل روسل دوم كلك ساد قاع فين تير اننا الشافة لخدي ؟ وتخميناتنا التمثيلية الملوثة» إنما تعني إضافة تلك الأشياء إلى الحق تعالى أنها تعود في خصوصيتها وسر وظيفتها وحرية التصرف بها إلى صانعها وبارئها وربها .... إلى الحق جل وعلا.

الإنسان عالم صغير

اعلم دلك الله عليك وهداك, أنه لا يصح أن يكون شيء من هذا العالم» أو في هذا العالم؛ ليس على الصورة الإلهية. ما من شيء في هذا الوجود إلا وله حظ من صورة المعبود جل شأنه. كل ما في العالم غاية في الإتقان» وقمة في الجمال وآية دالة على إبداع الديان؛ ما كانء. ولا يجوز أن يكونء في الإمكان إبداع أحسن مما عليه العالم الآن» فتبارك الله أحسن الخالقين وإله المبدعين .

والعالم عند أرباب الدراية وأهل التحقيق» إنسان كبير .. . . كبير في المعنى وكبير في الجرم» يقول الحق جل شأنه «الْحَلْقُ أَلسَّمَوتِ وَالْارَضٍ كبر

. الأعراف : ”ال‎ )١( . ١68 : الأعراف‎ )0(

١ا/ا‎

-

ِنْ خَلقٍ لتايس وَلَكنَّ خم ألنّاس ا يسَكمُونَ )4 ”" .

ما نفي العلم عن الكل وإنما نفى عن الأغلبية .

في مقابل العالم يكون الإنسان الذي هو للعالم كالروح للجسم الحيواني .

والإنسان عند أرباب الدراية وأهل التحقيق عالم صغير خط فيه كل ما في العالم الكبير وجمعت فيه جميع الحقائق المتفرقة في الكون؛ وسمي صغيرا لأنه انفعل عن الكبير واختزل كل ما في ثناياه. فكل قوة من قوى طبع الإنسان؛ وكل جزء من أجزاءه أو صفة من صفات ذاته يشارك بها صنفا من أصناف الموجودات : فالإنسان سبع بغضيه .... حيوان بشهوته .... جن بوهمه . . . . شيطان بخياله . . . . معدن بعظامه . . . . نبات بشعره . . . . عيون وأنهار بمجاريه .... بروج بثقبه . . . . بالجملة كل ما في العالم الكبير مفرقا هو في الإنسان مجملا . . . . الإنسان محل الجمع لما تفرق في العالم الكبير؛ بل يتعدى ذلك ليكون أيضا كتابا جامعا للحقائق الغيبية كلهاء فالإنسان هو البيت المعمورء معمور بالأنوار الإلهية. . . . وهو الرق المنشورء الوجود المسطر فيه القدر .... وفي داخله البحر المسجورء بحر الجود الإلهي والمن الرباني ... . قلبه عرش الرحمان .. . . نفسه اللوح المحفوظ . . . . عقله القلم الأعلى 0 هيكله سدرة المنتهى . . . . إلى غير ذلك مما أودع الحق تعالى في الإنسان من أسرار لا يقدر على الغرص في محيطها إلا المنتجبين الأخيار.

العالم إذن مختصر الحقء والإنسان مختصر العالم والحقء فائز بالمجموع لا من حيث النشأة العنصرية ولا التركيبة البدنية التي هي جزء من العالم ومنفعلة عنه. وليس المقصود بالإنسان النوع البشري» أو النسل الإنساني الحيواني» بل المقصود هو الإنسان الكامل الذي سيأتيك تعريفه لاحقا.

. غافر : لا6‎ )١(

١ا/‎

العالم على صورة الحق. والإنسان الكامل على صورة العالم والحق» وذلك قول الرسول الأكرم عليه وآله الصلاة والسلام : " إن الله خلق آدم على صورته ' ٠‏ وربما ذلك أيضا أ حسن التقويم المشار إليه في الذكر الحكيم يقول المنان الكريم : «لْقَد عَلَقَا آلإنسنَ ي أحْسنٍ تتوير 462 7" .

اصطفى الحق تعالى الإنسان الكامل من بين خاصة خلاصة الأخيارء ومَيّر نوره من بين سائر الأنوار» وعَيِّن سره مثالا فى حضرة الأسرارء فكان كاملا مكملاء قائما مميزاء نسخة حائزة على الصورتين» وبرزخا جامعا للطرفين» ومعنى رابطا للحقيقتين» وسرا قارنا للرقيقتين. مرآة منصوبة بين الطرفين : يرى الحق سبحانه صورته فيهاء ويرى الخلق أيضا صورته فيهاء ومعنى رؤية الحق تعالى صورته الجليلة في الإنسان الكامل هو تجليه له من حضرة الجودء التي لولاها لما كان الوجودء وظهوره فيه بذاته وصفاته المعنوية لا النفسية وإطلاق الأسماء الإلهية عليه إطلاقا يتجاوز التخلق . فالإنسان عموما حي» عالم» مريدء سميع» بصير» متكلم»ء قادر . . . . له نصيب من صفات الحياة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام والقدرة .

ليس المقصود بالإنسان الكامل عموم الإنسان» أو مطلق الإنسان الحيوان من حيث النشأة العنصرية أو التركيبة البدنية .

الإنسان أول خلق في الباطن نوره هل» وآخر خلق في الظاهر ظهر. هو ظاهر باطنء أول آخر . . . . أوليته حق وآخريته خلق . . . . ظهوره سند وبطونه مدد . . . . الكمال مكنون في فطرته النقية ومُودّع في خلقته السوية. تتفاوت البشرية في الكمال؛. حيث جعل الحق تعالى الكمال في الإنسان درجات» وقسّمه مراتب ومقامات. من حاز منه القدر المطلوب والقسط المرغوب فهو الخليفة المقصودء ومن نزل عن ذلك القدر فعنده من الإنسانية

4 : التين‎ )١(

يفيل

بقدر ما نالهء» وإلا فهو كالأنعام أو أضل سبيلا .

والإنسان الكامل الذي ليس فى حضرة الوجود أكمل منه هو الرسول اقرع جع مان الله عليه الهو ريت .... سيد ولد آدم» سيد الناس يوم القيامة؛ وصاحب لواء الحمدء الأكمل صورة والأتم نشأة. ومرتبة الكُمّل من الناس النازلين عن درجة الكمال المحمدي منزلة القوى الروحانية من الإنسان» وهم الأنبياء والمرسلين والأوصياء المنتجبين عليهم الصلاة والسلام أجمعين» ومنزلة من نزل من الكمال عن درجتهم منزلة القوى الحسية من الإنسان هم الورثئة الصادقين والأولياء الصالحين رضوان الله تعالى عنهم أجمعين» وما بقي من دونهم وممن هو على صورة الإنسان في الشكل هو من عداد الحيوان.

واعلم أيضا أن الإنسان الكامل للسماء عمد». ولبقاء الدنيا سبب» إذا زال وانتقل إلى البرزخ هوت السماء ووقعت على الأرض .

لا تخلو الأرض لحظة من كامل إما للعيان مشهودء أو عن البصر محجوب . فهو الخليفة الإمام؛ المنظور إليه والمعول عليه. على الخلق خحجة وللحق مجلى. للأمر الجلل مُذَّحْرء للمظلوم نصير وللعدل مقيم .

ذكرت لك فيما تقدم أن النفوس الإنسانية مسافرة مع الأنفاس الرحموتية من موطن إلى موطن» ليس لها حط إلا في الجنة أو في النار؛ وأن المواطن وإن تعددت فهي ستة .

ولتعلم أيضا أن الإنسان لا يكون خليفة للديان إلا في هذه الدنيا : موطن التكريم والتشريف». ومقر الكسب والعمل. من هنا تكتسب الكينونة الوجودية الإنضان :في :العوظطن الدتيوى قئمة أساسة وأهفية مصيرية:

والإنسان ليس خليفة بالنفس فقطء ولا بالروح فقطء ولا بالجسم فقطء بل هو خليفة بالنفس والروح والجسم وكل مقوماته الروحية والنفسية والبدنية والفكرية .... وبكل ما أودع فيه الحق تعالى من قوى متعددة : من القوة النامية» التي تعرفها النفس في بداية عهدها بهذه الدنياء إلى القوة الملكية» التي

١/4

هي غاية كل نفس طالبة للكمال» مرورا بعدد كبير من القوى التي أودعها الباري جل ثناؤه في النفوس ليتحقق بها المطلوب وينال بها المرغوب. لا تسع محدودية هذه الصفحات الحديث مفصلا عن كل قوة من قوى النفس الإنسانية» إلا أني سأعرج بالقدر المطلوب على ثلاثة قوى عامة في الإنسان متعلقة بالنفس في طورها النباتي» وممثلة لأصول الأخلاق الفاضلة ومنبع الملكات الحميدة عنده؛ وهذه القوى هي : الشهوية والغضبية والفكرية. ''©.

تمثل القوة الشهوية مجموع الأفعال المنسوبة إلى جلب المصالح كالمأكل والمشرب والمنكح وغيرهاء وتشكل الغضبية جملة الأفعال المنسوبة إلى درء المفاسد كدفاع الإنسان عن عرضه وماله مثلا. أما القوة الفكرية والتي محلها المفكرة عند الإنسان فمنسوب إليها كل ما يتعلق بالتصور الذهني والتصديق الفكري» كإقامة الحجج واستنباط الأحكام. . . .

لكل قوة من هذه القوى حد اعتدال وطرفي إفراط وتفريط. فكل انحراف عن الحد المعتدل بزيادة أو نقصان يؤدي إلى اختلال في توازن الإنسان؛ ومن ثمة إلى إنخرام في بنيته السلوكية وفضائله الأخلاقية . من واجب الإنسان أن يتحكم باتزان في هذه القوى ولا يدع قوة منها تسلك مسلك الإفراط أو طريق التفريط. وحد الاعتدال في القوة الشهوية تسمى عفة» وهي تأطير الشهوة واستعمالها بطريقة شرعية» وكيف ما يجب كمأ وكيفاً أما طرفي الإفراط والتفريط فهي الشدة والخمول. وحد الاعتدال في القوة الغضبية هي الشجاعة وطرفيها التهور والجبن» وتمثل الحكمة حد اعتدال القوة الفكرية والجربزة والبلادة جانبا الزيادة والنتقصان فيها 7" .

باجتماع هذه الملكات وامتزاجها فى غياهب الذات تحصل للنفمس ملكة )١(‏ راجع ' فلسفة الأخلاق في القرآن الكريم للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي . قدس سرهء

دار الصفوة بيروت. .

١/6

رابعة على قدر بالغ من الأهمية تسمى عدالة» وتسعى إلى إعطاء كل ذي حق من القوى حقهء ووضع كل ملكة في موضعها الذي ينبغي لها أن تكون فيه؛ والطرفان في هذه الملكة هما الظلم والإنظلام . يمثل المبدأ الشهوي والغضبي والفكري أهم الملكات الإنسانية المكونة لأصوله الأخلاقية» الباعثة على اتخاذ العلوم العملية» والمحددة لسلوك وأفعال البشرية. ويؤدي حسن التحكم في هذه القوى وإقامة العدل بينها إلى المساهمة في تزكية النفوس وإصلاحها.

في تزكية النفس

اعلم أيدك الله وهداك أن الوجود متقدم على البقاء» والبقاء متقدم على التمام» والتمام متقدم على الكمال» لأن كل كامل تام» وكل تام باق» وكل باق موجودء والعكس غير صحيح فما كل موجود باق» ولا كل باق تام» ولا كل تام كامل. وإذا كانت النفس حية بالذات» علامة بالقوة» فعالة بالطبع» قادرة بالغرض» فهي أيضا موجودة»ء باقية» تامة» ولكن غير كاملة. علة وجودها بقاء العقل الأول» وعلة بقاءها تمامه؛ وعلة تمامها كماله؛ فمتى كملت النفس تم ما دونها مرتبة من الموجودات وهي الهيولى. وهذا هو الغرض من إنزال النفس إلى سجن الدنيا وأسرها في هيكل اللحم والطين .... من أجل أن تصبح النفس كاملة دارت الأفلاك» وتكونت الكائنات» وسخرت المسخرات . ولو لم يكن من أجل ذلك لكان عبثا إيجاد ما هو موجودء وخلق ماهو مخلوقء يقول الباري جل ثناؤه: «أَفْحَِبسُرْ أنّما حَلفئَكُم عَبَمَا وأَنَكُمْ ْنا لا يعون 49 .

انبنت فلسفة الوجود أساسا على إكمال النفس وذلك بتطهيرها وتزكيتها لتصير كاملة بالفعل بعد أن كانت كاملة بالقوة.

والنفس لا تصل إلى درجة الكمال حتى تخترق سبع مقامات» وتتخطى

. ١١6 المؤمنون:‎ )١(

١/6

سبع درجاتء ذلك أنه عند أول تعلقها بالبدن تكون جوهرة فطرية» حنيفية» ساذجة» ذات قابلية صرفة» متأرجحة بين قوتين رئيسيتين : الأولى نورانية» لطيفة؛ صافية» ملكوتية علوية تحاول العروج بالنفس إلى أعلى الدرجات وأسمى المقامات. والثانية ظلمانية» كثيفة» غليظة» ملئية سفلية» تسعى إلى سحبها إلى أسفل الدرجات, والتدني بها إلى أوضع المقامات .

تحت وقع هذه القوى تكون النفس في اطراد مستمر وحركة دائبة دائمة صعودا ونزولا؛ وهي في مجاهدتها وسيرها نحو بارئها تمر بتلك المقامات السبعة. يعبر كل مقام على رتبة من مراتب النفس ولها فيه حال وصفات» طريق ومجاهدات» وصحوة وكبوات.

أدنى مقامات النفس وأسفلها مرتبة وأوضعها درجة هو مقام " النفس الأمارة " 'الذئ قال .فى شأته الحن تعالئ: : إن النقْس لأْمَارَة بالشو إلّاما وحم يق 20 في هذا فاه يكون محل النفس الصدرء عالمها الشهادة» سيرها إلى الله تعالى؛ حالها الميل» واردها الشريعة» ولها من الصفات البخل واللخرضوالاضن والكتر» بوالكتهوة والشية 02

ثاني المقامات بعد الأمارة» مقام ' النفس اللوامة " الذي قال في شأنه الحق تعالى «لآ أْيمُ يور البَعةَ () ولا أِيمْ يتين الوم 4 ”". محل النفس في هذا المقام القلب». عالمها البرزخ؛ سيرها للهء حالها المحبة» واردها الطريقة؛ من صفاتها اللوم والاعتراض والفكر والقبض ”9 .

إذا شمرت النفس عن ساعد الجد.ء وشرعت في المجاهدة والكد

. 67 : يوسف‎ )١(

(0) : راجع ' الفيوضات الربانية في المآثر والأوراد القادرية ". للقطب الغوث سيدي عبد القادر الجيلاني قدس سرهء جمع وترتيب الحاج إسماعيل بن السيد محمد سعيد القادري رحمه الله المكتبة الثقافية . بيروت .

. 5 ١ : القيامة‎ )”*(

(4) راجع المصدر الأسبق .

١ ا‎

حتى مالت إلى عالم الطهارة طلبا للاستنارة » ارتقت إلى مقام ' النفس الملهمة ' الذي جاء في شأنه قول الله تعالى : «وتئين وما سَوَنهَا 63 كَلْمَا غُوُرَمَا توا )> ”'". محل النفس في هذا المقام الروح» عالمها الإهلاج سيرها على الله. حالها العشقء واردها المعرفة» أما صفاتها السخاء والقناعة» والعلم والتواضع» والتوبة والصبر وتحمل الأذى .... "".

متى لزمت النفس المجاهدات» واصطلمت بالأنوار السنيات حتى زالت عنها حجب الشهوات. وخلعت عنها المذموم من الصفات» وأبدلتها بالمحمود من الشيمات» ارتقت إلى الممدوح من المقامات؛ متى كان ذلك كذلك صارت في مقام " النفس المطمئنة ' لا تفارقها المعية الإلهية ولا تفترق عنها الواردات الربانية . والنفس في هذا المقام يكون محلها السرء وعالمها الحقيقة المحمدية؛ وسيرها مع الله» وحالها الوصلة» وواردها الحقيقة. وصفاتها الجود والتوكل» والضادة والشكوو رفن 0

متى تجاوزت النفس المقام الرابع وبلغت بمجاهداتها قمة الزهد والإخلاصء. والورع والوفاء»ء صارت قاب قوسين أو أدنى من الفناء» متأهبة للقاء؛ ارتقت إلى مقام " النفس الراضية " حيث يكون محلها السرائرء عالمها اللاهوت؛ سيرها في اللهء حالها الفناء» ليس لها وارد» من صفاتها الزهد والإخلاصء والورع والوفاءء وترك ما لا يعني في جميع الأشياء .

سادس مقامات النفس مقام ' النفس المرضية *»؛ وهو مقام عالي المكانة؛ رفيع الدرجة»؛ عظيم الشأن. محل النفس فيه الأخفى, عالمها الشهادةء سيرها عن الله. حالها الحيرة» واردها الشريعة؛ من صفاتها حسن الخلق واللطف بالخلق» وترك ما سوى الله» والتقرب إلى الله؛ والتفكر في

. 8-1 : الشمس‎ )١( . راجع المصدر الأسبق‎ )١( . راجع المصدر السابق‎ )(

١/4

عظمة الله» والرضا بما قسم الله.

أما أعلى المقامات وأجلها مرتبة» وأرفعها مكانة؛ وأكملها درجة». فهو مقام ' النفس الكاملة ' . هو مقام خاص بالنفس المحمدية الطاهرة الزكية» الكاملة الأبية» وليس إلى سواها من النفوس مهما بلغت ما بلغت من المجاهدة والجدء والتشمير والكد. والإخلاص والوفاء»ء والتوكل والرضا. محل النفس في هذا المقام الجليل هو الخفاء؛ عالمها كثرة في وحدة ووحدة في كثرة» سيرها باللهء حالها البقاء» واردها جميع ما ذكر من شريعة وطريقة ومعرفة وحقيقة» صفاتها جميع ما ذكر من الصفات الحسنة والله ورسوله أعلم ”'' .

النفس محل التغيير والتطهيرء ومقر الأمر والنهي. وهي كما أشرت بين قوتين متضادتين واحدة جاذبة إلى أعلى المقامات وأخرى ساحبة إلى أدنى الدرجات. قد جعل لها الحق تعالى على امتداد كينونتها الوجودية في هذه الحياة الدنيوية فرصة للتزكية والفلاح أو للتدنيس والخيبة ؛ فيتحقق في الحالة الأولى المراد وترتقي إلى درجة الكمال الفعلي ملتحقة بأعلى مراتب الموجودات؛ أو تضيع في الحالة الثانية الغاية وتفقد قوة كمالها وشرف تمامها متدرجة إلى ما دونها من مراتب الموجودات. قال جل شأنه : #وَتَقْين وَمَا َوه () َأَشْمَها وما وَتَتوهَا © قَدَ أفلم س رَكّهَا 6 وَقَد حَابَ مَن دَسَّنهَا 46 ”2 .

إن أجابت النفس قوى الجذب إلى الأعلى كان التطهير والارتفاع إلى عليين؛ وإن أجابت قوى السحب إلى الأسفل كان التغيير والنزول إلى سجين . والنفس بين ذلك في تأرجح مستمر واطراد متواصل بين أشرف المقامات وأحط الدرجات . إنقاذها لا يكون إلا بتزكيتهاء وما التزكية إلا تطهير وربو.

قد أنزل الحق تعالى النفوس الإنسانية منزلة الأموال في الحكم» فجعل

ه64 الشمس ا 5

١/4

فيها الزكاة تماما كما جعلها في الأموال» بل أوجب سبحانه وتعالى الزكاة في النفوس كما أوجبها في الأموال» وشرع فيها البيع والشراء كما فعل في الأموال» اي الننفوس على البيع في الأموال فقال عز وجل إن أله الك ورت الور اه تَفُسَهُم وأموطم ع 00

واعلم أن النفس الإنسانية لها صفات تستحقهاء وهي كل صفة يستحقها الممكن. وقد توصف بصفات لا يستحقها الممكن من حيث إمكانيته» أي قد توصف بصفات إلهية جائزة في حق الله تعالى إذا وصف بهاء وإنما وصفت الحضيرة الإليية المسطة انفده وااقتوياة مله مجعانه ورحطة قزرا انهو جل شأنه وتقدست صفاته لا حق له في الإمكان» تعالى عن ذلك علوا كبيراء فإنه سبحانه واجب الوجود لذاته» لا يجوز في حق حضرته العلية الإمكان بوجه من الوجوه. زكاة النفس تكون بإخراج حق الله تعالى منهاء أي إخراجها من الصفات التي ليست بحق لهاء فتأخذ ما لها منه وتعطي ماله فيها. وصاحب الفلاح من زكاها بعدم تعديه قدره. ولزومه حده»ء والتزامه عبوديته»ء وصاحب الخيبة من دساها بتعديه حدود عبوديته وتجنيه على صفات مربوبه .

لا تبدأ تزكية النفس إلا بتوبة نصوح مستوفية الشروط» وما شروطها إلا العلم بالمخالفات والندم على ما فات والنية على تجاوز المعوقات؛ ثم يمتطي السالك جوادي الرياضة والمجاهدة. وما الرياضة إلا تهذيب الأخلاق النفسية بتخليصها من الرعونة ومذموم الصفات وحملها على احتمال الأذى في العرض الخارج عن البدن» وما المجاهدة إلا حمل النفس على المشاق البدنية المؤثرة في المزاج وهنا وضعفا. والمجاهدة؛ تماما كالرياضة» غير مقيدة بفترة زمنية ولا محصورة في حالة إيمانية» بل هي عمل يومي وجهد دؤوب متواصل لا يسعها عمر بأكمله وإن طال.

١ : التوبة‎ )١(

«ما

يتدرج السالك في رياضته ومجاهدته متجرعا المرارات» ومتحملا المكابدات» ومخالفا لحظوظ النفس في كل الحالاات» ومتوخيا الأدب في كل المقامات». ساعيا إلى إخماد جسده عن اللذات» ونفسه عن الشهوات» وجوارحه عن المخالفات». وقلبه عن الخطرات» وروحه عن اللحظاتء» وعقله عن الخيالاتء. إلى أن يفارق الأخلاق الطبيعية» ويخمد الصفات البشرية» ويجانب الدعاوي النفسانية» ويتعلق بالعلوم الحقيقية» ويصفي قلبه من مراقبة الغوية»«ورناز ل الضفات"الروتحانية ويفائق العقافات: الزنانة : :تكون يذلك التوبة مدخله ... . الرياضة مسلكه . . . . المجاهدة منهجه . . . . التقوى لكايه درق ا الجر اقل "مشتدلة» دجي جد اللموساستة ويدنةة ,ىر التعاء خلفته : الزهد رايته . . . . الورع وشاحه .<.٠..‏ الفقر زينته .... الصبر حلته . الخوف ملزمه . . . . الرجاء منارته . . . . الإخلاص خلعته . . . . العزلة سبيله .... التوكل شأنه . . . . الرضى مطيته . . . . المحبة مطليه . . . . القرب مطمعه .

هذه بعض مقامات السالكين ودرجات المريدين» ومحطات تستوقف أصحاب المجاهدة في عروجهم إلى رب العرش العظيم. مقامات أفاضت يها كتب العارفين ومصنفات الواصلين تبيانا وتفصيلاء عليك بها فإن فيها الخير العظيم والربح الكبير» والتجارة التي لن تبورء إنما أعرضت عن تفصيل القول فيها لعدم التكرار والاجترار لما قيل» ولأن قلم أمثالي عاجز عن تبيان ما دق من أسرار هذه المقامات وكشف ما رق من أغوارها والناس عاجزون عن سماعهاء وكذلك خوفا من أن لا يستوفي أمثالي شروط العاملين فأكون من المقصرين المذنبين. اللهم إنا نعوذ بك من قول بلا عمل؛ ونسألك أن تجعلنا ممن علم فعمل؛ وعمل فأخلصء وأخلص فتقبل منه. ربنا تقبل منا إنك عليم بما في الصدور. ا ل واصطفيتهم». وأرشدتهم إليك وهديتهم. وألهمتهم ذكرك وما نسيتهم؛ وجهزتهم لدخول محفل أنسك وما استثنيتهم.

١م‎

وعرجت بهم إلى حضرة قدسك وأكرمتهم» وأدنيتهم من حضرتك وما حرمتهم » وصل اللهم على سيد المختارين» وآل بيته الأطهار المنتجبين» وكل عبادك المخلصين من آدم إلى يوم الدين . والحمد لله رب العالمين .

لمحيل

الكلام الذي في حق الباري سبحانه ل كلام الإنسان ل ل ل الأوامر الإلهية ........ ار

الخطاب الإلهي

قول الباري سيحانه ب و ما ا ان و لو لاسو ا لي ارك لدو جا جم ا القَول عند الإنسان اي شا م تب ار م ا عا القرة 10110000001115

١78

ا 1 0

6

م ج د آّة

ا" 1 تحن م ا

الكتابة الالهية 0

اللغة العربية 10

الحتوار ااا 000

الرسالة المحمدية ا ا ل الحوار الذي بين الله والإنسان : الاجتهاد #68-ب1311110100111 الحوار الذي بين الإنسان والإنسان : التجديد 0000000

الحوار الذي بين الله والكون 1 التسخير ا ل ' الحوار الذي بين الإنسان والكون : الإستخلاف 00000

45